اتفاق أمني-عسكري بين تركيا وسوريا… مخاوف إسرائيلية وموازين قوى جديدة في الجنوب
داما بوست -بوست
تستعد أنقرة ودمشق للإعلان، خلال آب/أغسطس 2025، عن اتفاق أمني وعسكري يشمل إنشاء مراكز تدريب واستشارات، وتزويد الجيش السوري بمعدات وأنظمة متطورة، بحسب مصادر تركية وسورية متطابقة. هذه الخطوة تأتي بعد أشهر من سقوط نظام بشار الأسد والتقارب السياسي بين الجانبين، وتزامناً مع تصعيد إسرائيلي غير مسبوق في الجنوب السوري، ما يثير تساؤلات حول تأثير هذه التفاهمات على موازين القوى وخارطة السيطرة في البلاد.
تعزيز القدرات السورية:
يرى محللون سياسيون أنّ الاتفاق المرتقب يشكّل “منعطفاً عملياً” في علاقة البلدين، إذ ينتقل بها من مستوى التفاهمات الدبلوماسية إلى شراكة أمنية ذات أبعاد ميدانية. ويقول الباحث في الشؤون الإقليمية، مازن خضر لشبكة “داما بوست”، إن الدعم التركي المعلن “يعني عملياً ضخ خبرات وتدريبات وأنظمة دعم لوجستي إلى الجيش السوري، ما يسرّع عملية إعادة بناء المؤسسة العسكرية بعد سنوات من التفكك والحرب”.
وبحسب خضر، فإن أنقرة “تمتلك مفاتيح لوجستية وشبكات نفوذ في الشمال السوري يمكن أن توظَّف لتوحيد قنوات القيادة والسيطرة، ما يسمح بتحويل جزء من موارد الدولة نحو الجنوب في مواجهة التحديات هناك”.
معادلة جديدة أمام “إسرائيل”:
من منظور أمني، يعتبر الخبير العسكري أحمد الزعبي في حديثه لـ “داما بوست” أنّ أي دعم تركي منتظم للمؤسسة العسكرية السورية “يعيد إدخال لاعب إقليمي قوي إلى معادلة الصراع مع “إسرائيل”، ما يقيّد هامش المناورة الإسرائيلي خاصة في محيط الجولان”.
ويشير الزعبي إلى أنّ “إسرائيل”، “قد تواجه صعوبات إضافية في تنفيذ ضربات جوية عميقة إذا ترافق الدعم التركي مع تطوير قدرات الدفاع الجوي السوري، وهو ما قد يرفع كلفة أي عملية خاطئة أو استهداف لمواقع تضم مستشارين أتراك”.
ردّ إسرائيلي متوقّع:
في المقابل، يرى الباحث الإسرائيلي في الأمن الإقليمي، “نوعام بن دافيد”، أن “تل أبيب ستتعامل مع أي وجود تركي عسكري أو تدريبي داخل سوريا كعامل تهديد محتمل، حتى وإن لم يكن موجهاً ضدها مباشرة”. ويتوقّع بن دافيد أن تستمر “إسرائيل” في تطبيق استراتيجية “المعركة بين الحروب”، عبر تكثيف الضربات الجوية والصاروخية ضد أي بنية تحتية عسكرية ترى أنها تغيّر ميزان القوى جنوباً.
كما يرجّح أن تلجأ “تل أبيب” إلى تكثيف نشاطها الاستخباري في الجنوب السوري، “لرصد خطوط الإمداد ومنع تراكم القدرات الدفاعية أو الهجومية قرب حدود الجولان”.
الفائدة السياسية لدمشق وأنقرة:
على الصعيد السياسي، يوضح المحلل السوري سمير العبد لـ “داما بوست” أن دمشق “تسعى من خلال الاتفاق إلى تعجيل إعادة هيكلة الجيش بتكلفة سياسية أقل من الارتماء في الحضن الإيراني، وهو ما يمنحها هامشاً أوسع للمناورة التفاوضية في ملفات الجنوب”.
أما بالنسبة لتركيا، فيرى العبد أنّ المكاسب متعددة، “من تحييد التهديدات على حدودها، إلى تثبيت نفوذها في صياغة مستقبل سوريا الأمني، وصولاً إلى امتلاك أوراق ضغط إضافية في ملفات شرق المتوسط والعلاقة مع إسرائيل والغرب”.
الواقع الميداني في الجنوب السوري:
ميدانياً، تؤكد تقارير حقوقية وأممية أن “إسرائيل” وسّعت في الأشهر الأخيرة عملياتها البرية والجوية في محافظات القنيطرة ودرعا وريف دمشق، متسببة بسقوط ضحايا مدنيين، ودفعت دمشق لطلب اجتماع طارئ في مجلس الأمن في تموز/يوليو الماضي.
ويشير الخبير في شؤون الحدود، فادي حنا، إلى أن “إسرائيل لا تكتفي اليوم بالردع الجوي، بل ترسم عبر هذه التوغلات وقائع ميدانية تحكم شكل أي تسوية مستقبلية، خاصة في ما يتعلق بانتشار الجيش السوري ومنع عودة حلفاء إيران إلى خطوط التماس”.
المفاوضات السورية-الإسرائيلية:
بالتوازي مع التصعيد الميداني، كشفت مصادر دبلوماسية عن لقاءات رسمية جمعت مسؤولين سوريين وإسرائيليين في باريس، برعاية أميركية، لبحث ترتيبات خفض التصعيد جنوباً. وبحسب هذه المصادر، فإن المحادثات تطرقت إلى مسألة انتشار القوات، وضمان عدم نشر منظومات دفاع جوي متقدمة قرب الجولان، إلى جانب ترتيبات خاصة بالأقليات، لا سيما في السويداء.
تداخل المسارين: الدعم التركي والمخطط الإسرائيلي:
يرى المحلل الأمني اللبناني، يحيى الأسعد، أن دخول تركيا على خط الدعم العسكري لدمشق “يضيف عنصراً جديداً في المعادلة التي تحاول إسرائيل فرضها جنوباً”. ويوضح أن وجود مستشارين أتراك أو تطوير مراكز تدريب في مناطق قريبة من الجنوب “قد يدفع إسرائيل إلى إعادة حساباتها، أو على الأقل إلى اختبار قنوات تفاوضية جديدة تأخذ في الاعتبار الدور التركي”.
ويضيف الأسعد أن “المخاطر تكمن في غياب التنسيق المباشر بين الأطراف، ما قد يؤدي إلى احتكاكات غير مقصودة، خصوصاً إذا قررت إسرائيل تنفيذ ضربات استباقية ضد مواقع تعتبرها خطراً على أمنها”.
سيناريوهات المرحلة المقبلة:
تتباين توقعات المحللين حول المسار الذي قد يسلكه المشهد السوري بعد هذا الاتفاق. فبينما يرى فريق أن التفاهم التركي-السوري قد يمهّد لتسويات “أمن محلي” متتابعة، خصوصاً إذا تقدّم مسار باريس، يحذّر آخرون من موجات تصعيد جديدة إذا استمرت إسرائيل في فرض “الوقائع بالقوة” جنوباً.
وفي جميع الأحوال، يبدو أن الاتفاق الأمني-العسكري بين أنقرة ودمشق يفتح الباب أمام مرحلة جديدة، يكون عنوانها إعادة رسم موازين القوى ليس فقط في الشمال السوري، بل في الجنوب أيضاً، حيث يلتقي الدعم التركي مع الحسابات الإسرائيلية، في منطقة لطالما كانت الأكثر حساسية في الجغرافيا السورية.
إقرأ أيضاً: التفاهم العسكري التركي – السوري: إعادة تشكيل الجيش أم صراع نفوذ؟
إقرأ أيضاً: سوريا ساحة صراع للنفوذين الإسرائيلي والتركي: هل تشعل مناطق النفوذ صراعًا جديدًا؟