يرفض الاحتلال الأمريكي تفكيك مخيم الركبان الواقع في أقصى الجنوب الشرقي للأراضي السورية، والذي تحولت خيامه لمنازل طينية بعد أن فقد سكانه الأمل بالعودة إلى مدن البادية “مهين – القريتين – الفرقلس – تدمر” أو إلى ريف المنطقة الشرقية، بفعل قطع الطرقات من قبل فصيل “جيش سورية الحرة”، الذي يعد واحدة من القوى البرية التابعة لقوات الاحتلال الأمريكي، ولا تسوّق واشنطن مبررات مقنعة لدفع الفصيل المذكور لمنع المدنيين من العودة لمناطقهم الأصلية، رغم الجهود التي تبذلها حكومات مثل الأردن وروسيا في هذا الخصوص، مع تشديد دمشق المتكرر على تقديم كل ما يلزم من ضمانات لتفكيك واحد من أكثر المخيمات مأساوية.
شراكة مكشوفة:
تقول التصريحات الأمريكية إن بقاءها في “التنف” من خلال القاعدة المشتركة مع نظيرتها البريطانية هو بهدف محاربة تنظيم داعش، وحماية “مخيم الركبان” من هجمات التنظيم، لكن واقع الحال يقول عكس ذلك تماماً، فبقايا “داعش” تتواجد في الطرف الشمالي من منطقة خفض التصعيد المحيطة ببلدة التنف، والتي تعرف باسم “منطقة الـ ٥٥ كم”، ومن هذا الجزء تتحرك خلايا التنظيم لمهاجمة مناطق البادية لتنفذ غارات برية سريعة مستهدفة مخيمات رعاة المواشي وسواهم من المدنيين الذين يبحثون عن رزقهم، مثل جامعي فطر الكمأة الذين قضى منهم ما يزيد عن ١٣٠ شخصاً خلال موسم العام الحالي.
كما أن خلايا داعش تشن هجمات ضد نقاط للجيش السوري في البادية انطلاقاً من هذه المنطقة، وليس من قبيل المصادفة أن تتزامن كل هجمة بموجة تشويش على أجهزة الاتصال مصدرها قاعدة الاحتلال الأمريكي في التنف، وتشير التقديرات إلى أن قيادات الصف الأول الحالية لتنظيم داعش بمن فيهم زعيمه الحالي، تنتشر في شمال منطقة الـ ٥٥ كم، وعلى خلاف الإعلان الأمريكي عن دعم وتسليح “جيش سورية الحرة” لقتال داعش، فإن هذا الفصيل يقيم علاقات تجارية مع التنظيم، فيشتري قادته ما يتم السطو عليه من قبل داعش، في مقابل بيعه مستلزمات الاستمرار في البادية من ماء وغذاء وذخيرة.
استهداف اقتصادي:
توفير الأمن الكامل لخلايا داعش من قبل واشنطن يعطل إمكانية البدء بمشاريع سورية – عراقية مشتركة من شأنها أن تعزز اقتصاد البلدين، مثل إعادة تشغيل خط “كركوك – بانياس”، لنقل النفط والذي إذا ما تم تشغيله بالوضع الحالي فمن المؤكد بأنه سيتعرض للتخريب والاستهداف من قبل التنظيم، إضافة لانعدام وجود بيئة آمنة للبدء بمشروع الربط السككي الذي يمكن أن يدعم عملية النقل البري بين البلدين، مضافاً لذلك فإن وجود خلايا داعش يُشكل أهم تحد أمام مشروع “القناة الجافة”، الذي كان العراق قد عقد مؤتمراً لطرحه قبل فترة بمشاركة سورية، والذي يتمثل بطرق برية تربط ميناء البصرة العراقي، بالموانئ السورية، وعليه فإن كلا المشروعين (الربط السككي – القناة الجافة) معلقان فعلياً بسبب دعم واشنطن لبقاء داعش شمال منطقة خفض التصعيد المحيطة بالتنف.
قطع طريق بغداد – دمشق أولوية الاحتلال:
البقاء الأمريكي في التنف لأطول فترة ممكنة، يسهم في قطع الطريق الأقصر الذي يربط بين العاصمتين السورية والعراقية، وهذا هو جوهر البقاء الأمريكي في البادية السورية، فطريق “دمشق – بغداد”، هو جزء من طريق “بيروت – طهران”، الذي تحدثت التقارير الإعلامية الدولية كثيراً عنه كطريق يشكل تهديداً أمنياً للاحتلال الإسرائيلي، نظراً لفرضيات الأخير بأن هذا الطريق سيكون لنقل الدعم الإيراني للمقاومة اللبنانية، لكن هذه الفرضية ليست واقعية، والأصل أن الوجود الأمريكي يحرم دمشق من أكبر الأسواق القريبة لتصريف منتجاتها الصناعية المتمثل بالعراق.
وبالتالي فإن الوجود في التنف لا يقدم لـ واشنطن إلا غايتين، الأولى تقديم الدعم والحماية المباشرة لـ داعش بما يساعد على استمرارية توظيفه ضد الجيش السوري، والثانية التأثير بأكبر قدر ممكن على الاقتصاد السوري من خلال قطع الطرق الأساسية ومنع مشاريع حيوية جديدة، ومن ثم يُفهم أن استراتيجية الولايات المتحدة ضد سورية، تكمن في ترادف عمل العقوبات المفروضة عليها، مع منع دمشق من الوصول لمواردها الأساسية المتمثلة بحقول النفط الأساسية والمحاصيل الزراعية شرق الفرات، ومنع أي مشروع حيوي مع دول الجوار.