الأقليات في سوريا ما بعد سقوط نظام بشار الأسد: تحديات التمثيل وبناء الثقة الوطنية
داما بوست -خاص
يتناول هذا المقال التحديات التي تواجه الأقليات الدينية والعرقية في سوريا بعد سقوط النظام السابق، ضمن مرحلة إعادة بناء الدولة والمجتمع، ويسلط الضوء على المخاوف المرتبطة بالتمثيل السياسي العادل، وضمان الحقوق الثقافية والدينية، وحماية الأقليات من الانتقام أو التهميش في ظل تغيرات سريعة في موازين القوى. كما يناقش مسألة الانتماء والثقة بالنظام الجديد، ومدى قدرة القيادة السياسية على بناء مشروع وطني جامع يحفظ التعددية.
إقرأ أيضاً: إدلب: توجه رسمي لإعادة ممتلكات الطائفة الشيعية في معرة مصرين.. والإقامة مؤجّلة
سوريا المتنوعة وإرث الماضي
منذ تعداد عام 1960، لم يتم إحصاء السوريين رسمياً حسب الدين أو العرق، وهو ما يمثل تحولاً عن التعدادات السابقة في عامي 1943 و1953 التي كانت تحصي الطوائف المختلفة بشكل منفصل، بما في ذلك الطوائف المسيحية وحتى المسلمين السنة والعلويين. إلا أن بعض الإحصائيات تشير أن المسلمين العرب السنة يشكلون الأغلبية ، حيث تتراوح نسبتهم بين 70-75% من السكان، وإلى جانبهم، توجد مكونات دينية وعرقية كبيرة ومتنوعة، بما في ذلك المسيحيون (الذين كانوا يشكلون حوالي 10% من السكان قبل عام 2011، ولكن أعدادهم تضاءلت بشكل كبير لاحقاً بسبب الهجرة نتيجة الحرب)، والعلويون (بين 10-15%)، والدروز، والإسماعيليون، والمسلمون الشيعة الاثنا عشرية.
بالإضافة إلى المجموعات الدينية، تضم سوريا مكونات عرقية غير عربية مثل الأكراد، والتركمان، والشركس، واليزيديين، والآشوريين/السريان. تتوزع هذه المجموعات جغرافياً في جميع أنحاء البلاد، مع تركيز بعضها في مناطق محددة؛ فالعلويون، على سبيل المثال، يتمركزون بشكل رئيسي في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين.
ولطالما شكّلت سوريا تنوعاً من الأعراق والطوائف، ومع ذلك عانت الأقليات لعقود من التهميش أو الاستغلال السياسي، فالنظام السابق استخدم سياسة “فرق تسد”، مقدماً نفسه كحامٍ للأقليات ضد التطرف، بينما عمّق الانقسامات واستهدف فئات متعددة بتمييز مباشر أو غير مباشر.
مع سقوط النظام في ديسمبر 2024، واجهت البلاد لحظة مفصلية كشفت عن هشاشة التماسك الوطني، فالأقليات، عبّروا عن قلقهم من احتمالات الانتقام أو سيطرة أيديولوجيات جديدة قد لا تراعي حقوقهم، وقد صرت العديد من البيانات من طوائف مختلفة حول هذا الموضوع.
إقرأ أيضاً: رويترز: نساء علويات يُختطفن من شوارع سوريا
الحكومة الانتقالية ومخاوف الإقصاء
أعلنت الحكومة الانتقالية الجديدة عن نيتها بناء دولة شاملة، لكنها واجهت انتقادات بسبب تركيبة الإعلان الدستوري الذي نصّ على أن “الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع” واشترط أن يكون رئيس الدولة مسلماً. كما غاب عن هذا الإعلان الاعتراف الرسمي بلغات وطنية كالكردية والسريانية.
ورغم تعهدات القيادة الجديدة بحماية الأقليات، إلا أن تركيبة اللجنة الدستورية، وتكرار حوادث العنف الطائفي، أضعف من الثقة، وساهم ضعف سيطرة الدولة على بعض المجموعات المسلحة في تفاقم التوترات الطائفية.
في المقابل، يرى آخرون أن الإشارة إلى الفقه الإسلامي ليست جديدة، إذ كانت حاضرة في الدساتير السابقة، وأن اشتراط الإسلام لدين الدولة يتماشى مع كون غالبية السكان من المسلمين. مع ذلك، تتنامى دعوات لتجاوز هذه المحددات، والانتقال نحو دستور يكرّس المواطنة كقاعدة ناظمة، دون الارتباط بأي دين أو طائفة أو أيديولوجيا.
التحديات السياسية والدستورية
يعاني الإطار القانوني من نقص الضمانات لتمثيل الأقليات، فبينما يُعلن عن مواطنة متساوية، لا توجد آليات واضحة لضمان تمثيل حقيقي في المؤسسات، وقد أدى ذلك إلى مطالب واسعة بتبني نظام حكم لا مركزي يمنح المجتمعات المحلية قدرة على المشاركة في القرار والتنمية.
الأكراد، الدروز، وغيرهم عبروا وبشكل رسمي ضمن بيانات أن اللامركزية تضمن الحفاظ على الخصوصية الثقافية وتمنع التهميش. كما دعوا إلى الاعتراف بلغاتهم، وتمكينهم من التعبير الثقافي والديني، والمشاركة في صياغة السياسات العامة.
العنف الطائفي والهواجس الأمنية
عقب انهيار النظام، شهدت بعض المناطق موجات عنف انتقامي، خصوصًا في الساحل السوري، ما زاد من مخاوف الأقليات، وطالب بعض القادة الدينيين بتدخل دولي لحمايتهم. كما يواجه الجيش السوري الجديد صعوبات في دمج الفصائل المسلحة، ما يهدد بتكريس الانقسامات.
في هذا السياق، أصدرت وزارة الأوقاف بيانًا أكدت فيه التزامها بنشر خطاب ديني معتدل يعزز السلم الأهلي والوحدة الوطنية، ويكرّس قيم التسامح والتعايش بين أبناء الوطن. وشدد البيان على رفض الوزارة لأي محاولة لإثارة الفتنة أو النعرات الطائفية، معتبرة أن خطابها يستند إلى المسؤولية الشرعية والوطنية لتوحيد الصف وجمع الكلمة.
كما نشر مجلس الإفتاء الأعلى فتوى واضحة تحرّم الثأر والانتقام، وتدعو إلى الاحتكام للقضاء والعدالة بدلاً من العنف، ورغم هذه الدعوات الرسمية، ما زالت تُسجَّل حوادث اغتيال وقتل ضد أفراد من الأقليات، ما يثير قلقاً متزايداً بشأن قدرة الدولة على بسط سيادة القانون.
الوضع الاقتصادي والإنساني
أكثر من 90% من السكان باتوا تحت خط الفقر، مع تراجع حاد في الخدمات الأساسية. الأقليات، التي غالبًا ما تقطن في مناطق طرفية أو نزحت إلى مناطق أخرى، تعاني بشكل خاص من غياب الوثائق، وصعوبات في الوصول إلى التعليم والصحة. كما أن ضعف البنية التحتية وانهيار السوق يزيد من صعوبة إعادة الاندماج الاجتماعي والاقتصادي.
بناء الثقة: الأطر المقترحة
يرى مراقبون أن بناء الثقة الوطنية في سوريا يتطلب حزمة من الخطوات المتكاملة، تبدأ بوضع دستور شامل يكرّس المساواة بين جميع المواطنين، ويعترف بالتعددية الثقافية والدينية واللغوية، مع ضمان حياد الدولة تجاه الأديان. كما يشددون على أهمية تبني نظام لا مركزي يمنح صلاحيات فعلية للإدارات المحلية، بما يعزز المشاركة السياسية ويوزّع الموارد بعدالة، ويعتبر المراقبون أن العدالة الانتقالية ضرورية، من خلال إنشاء لجان مستقلة للتحقيق والمصالحة، وتعويض الضحايا، وإصلاح مؤسسات الأمن والقضاء لضمان المحاسبة، وفي السياق ذاته، يدعون إلى إصلاح أمني شامل يقوم على توحيد القوى المسلحة ضمن جيش وطني ونزع سلاح الفصائل، بما يضمن التنوع داخل مؤسسات الدولة. كما يرون أن التعليم والإعلام يجب أن يلعبا دورًا محوريًا، من خلال تحديث المناهج لتشمل ثقافات جميع المكونات، وتعزيز إعلام مهني يواجه الخطاب الطائفي ويشجع على الحوار، ويؤكد المراقبون في الختام على ضرورة أن يكون الدعم الدولي مشروطًا بتحقيق تقدّم سياسي ملموس وضمانات حقيقية لحقوق الإنسان.يمر المجتمع السوري بمرحلة مفصلية في تاريخه، فبناء عقد اجتماعي جديد يتطلب الاعتراف بالتنوع كمصدر قوة لا تهديد، وضمان شراكة فعلية لجميع المكونات في صنع المستقبل، وهو أمر يتطلب إرادة سياسية، واستجابة للمطالب العادلة، وتعاوناً دولياً داعماً لمسار سلمي ومستدام.
اقرأ أيضاً: عبارات تهديدية تثير القلق في قطنا وتعيد شبح التوتر الطائفي إلى الواجهة
إقرأ أيضاً: إعدام 13 مدنيًا من الطائفة العلوية في دمشق وحماة