السياسة الداخلية في سوريا خلال عام 2025
من استلام السلطة إلى إدارة الدولة:
شهدت سوريا خلال عام 2025 تحولات سياسية داخلية عميقة عقب انتقال السلطة إلى إدارة انتقالية جديدة، في ظل فراغ مؤسساتي وأمني. وقد اتسم هذا العام بسلسلة قرارات سريعة ومصيرية طالت شكل الحكم، والمؤسسة العسكرية، والدستور، والسياسات الاقتصادية، إضافة إلى علاقة السلطة بالمجتمع.
إقرأ أيضاً: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بعد سقوط النظام السابق
إقرأ أيضاً: سوريا 2025: عام الفجوة بين الخطاب والواقع
يقدّم هذا التقرير قراءة مختصرة ومركّزة لأبرز ملامح السياسة الداخلية السورية خلال عام 2025، مع التركيز على القرارات الأساسية وانعكاساتها المباشرة، دون الخوض في التفاصيل، بهدف تسليط الضوء على طبيعة إدارة المرحلة الانتقالية والتحديات التي واجهتها.
1- استلام الحكومة ومؤتمر النصر
مع سقوط نظام بشار الأسد وحل اخر حكومة في نظام الأسد برئاسة محمد الجلالي أواخر 2024، دخلت سوريا بفراغ سياسي وأمني واسع، ومع بداية العام 2025 بدأت “هيئة تحرير الشام” (التي تحولت لاحقاً إلى كيان سياسي) بفرض سيطرتها وتنظيم المشهد السوري.
في يناير 2025 عُقد “مؤتمر نصر الثورة” في دمشق، والذي شكّل الإطار السياسي لتثبيت السلطة الجديدة.
نتج عنه:
- إعلان الإدارة الانتقالية
- تنصيب أحمد الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية
- اعتبار المؤتمر بديلاً عن أي مسار انتخابي أو تفاوضي سابق
المؤتمر لم يكن جامعاً بالمعنى الكامل، بل اقتصر على قوى الأمر الواقع وحلفائها.
2- حل الفصائل المسلحة ودمجها في الجيش
أُعلن خلال الربع الأول من 2025 عن:
- حل المؤسسات القديمة (مجلس الشعب، حزب البعث، الجيش والأجهزة الأمنية السابقة)
- حل جميع الفصائل المسلحة شكلياً
- دمجها ضمن مؤسسة “الجيش السوري الجديد”
لكن عملياً:
- احتفظت التشكيلات المرتبطة بهيئة تحرير الشام بالنفوذ الأكبر
- بقيت الولاءات الفصائلية داخل المؤسسة العسكرية
- فشل الدمج الكامل في خلق جيش وطني منضبط
ما أدى إلى:
- تعدد مراكز القرار الأمني
- ضعف السيطرة على المقاتلين في الأطراف
3- الإعلان الدستوري
في مارس 2025 صدر إعلان دستوري مؤقت:
- نظام رئاسي مركزي
- صلاحيات شبه مطلقة للرئيس
- الإسلام مصدر أساسي للتشريع
- وعود بالفصل بين السلطات دون آليات رقابة واضحة
الدستور ثبّت السلطة أكثر مما نظّمها، وأجّل أي نقاش فعلي حول التعددية السياسية.
4- تشكيل الحكومة الجديدة
تم تشكيل حكومة انتقالية:
- ذات طابع تكنوقراطي شكلي
- مع سيطرة واضحة لشخصيات أمنية وعسكرية على وزارات السيادة
- غياب تمثيل حقيقي للمعارضة المدنية أو المستقلين
أُلغي منصب رئيس الوزراء، وربطت كل الوزارات مباشرة بالرئاسة.
5- تشكيل الأمانة العامة للشؤون السياسية:
أصدر وزير الخارجية السوري في شهر آذار/ مارس قرارا بإحداث قسم جديد ضمن هيكلية الوزارة تحت مسمى “الأمانة العامة للشؤون السياسية”.
وبحسب القرار، تتولى الأمانة العامة الجديدة المهام التالية:
- الإشراف على إدارة النشاطات والفعاليات السياسية داخل سوريا وتنظيمها وفقاً للأنظمة والقوانين النافذة.
- المشاركة في صياغة السياسات العامة والخطط المتعلقة بالشأن السياسي.
- العمل على إعادة توظيف أصول حزب البعث العربي الاشتراكي والأحزاب الوطنية بما يخدم المهام الوطنية والسياسية.
6- انتخابات مجلس الشعب:
انتخب السوريون أول برلمان للبلاد منذ الإطاحة بنظام الأسد، وسط انتقادات للآلية التي تمنح الرئيس الانتقالي أحمد الشرع صلاحية تعيين ثلث أعضاء البرلمان، واستبعاد تمثيل ثلاث محافظات لدواع أمنية.
7- القرارات الاقتصادية: رفع الدعم وزيادة الرواتب
خلال النصف الأول من عام 2025 اتخذت الحكومة قرارات اقتصادية حادة:
- رفع تدريجي للدعم عن:
- الخبز
- المحروقات
- بعض المواد الأساسية
- بالتوازي مع زيادة محدودة للرواتب
النتيجة:
- الزيادة لم تغطِّ ارتفاع الأسعار
- تدهور القدرة الشرائية
- توسّع الفجوة الاجتماعية
- تصاعد الغضب الشعبي من الوضع المعيشي
8- فصل آلاف الموظفين
ضمن ما سُمّي بـ “إعادة هيكلة الدولة”:
- فصل آلاف الموظفين:
- بحجة الفساد
- أو الارتباط بالنظام السابق
- أو عدم “الولاء للمرحلة الجديدة”
العملية اتسمت بـ:
- طابع انتقامي أحياناً
- غياب آليات قانونية واضحة
- زيادة البطالة والفقر
9- رفع العقوبات عن هيئة تحرير الشام
في يونيو 2025:
- رُفعت هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب الدولية
- فُتح الباب للتعامل السياسي والمالي مع الحكومة
داخلياً:
- استُخدم القرار لتكريس شرعية السلطة
- لكنه أثار رفضاً شعبياً واسعاً، خاصة لدى ضحايا الهيئة سابقاً
- عمّق الانقسام المجتمعي بدل تهدئته
10- الخطاب الطائفي
رغم الخطاب الرسمي عن “الوحدة الوطنية”:
- انتشر خطاب طائفي:
- في الإعلام
- على المنابر
- ضمن بعض التشكيلات المسلحة
- غابت محاسبة حقيقية للمحرّضين
ما أدى إلى:
- توتر طائفي حاد
- خوف الأقليات
- اهتزاز السلم الأهلي
11- عدم القدرة على ضبط الشارع
خلال 2025:
- احتجاجات متفرقة بسبب:
- الوضع المعيشي
- التعيينات
- غياب الحريات في بعض الأحيان
- عدم السير قدماً في ملف العدالة الانتقالية
- غياب الدعم عن الناجين من سجون الأسد
- رد أمني مباشر:
- اعتقالات
- إعادة تدوير السجون وزج عناصر وضباط الجيش السابق مع عشرات المعتقلين من المدنيين.
ما أظهر:
- ضعف أدوات الحكم المدني
- اعتماد على الحل الأمني
12- جمع التبرعات من الأهالي
بسبب العجز المالي:
- أُطلقت حملات “تبرع وطني”:
- لإعادة الإعمار
- للخدمات
لكن:
- تمت تحت ضغط اجتماعي وأمني
- بدون شفافية
- واعتُبرت شكلاً من الجباية غير الرسمية
13- اتفاق آذار
وقع اتفاق آذار بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، بهدف وقف إطلاق النار واندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الدولة، إلا أن الاتفاق لم يُطبق حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
الخاتمة:
يُظهر مسار السياسة الداخلية في سوريا خلال عام 2025 أن السلطة الانتقالية نجحت في تثبيت نفسها، لكنها أخفقت في بناء قاعدة حكم جامعة تعكس التنوع السياسي والاجتماعي في البلاد. فقد غاب عن عملية تشكيل مؤسسات الدولة تمثيل حقيقي ومتوازن لمختلف المكونات السورية، ما جعل السلطة تبدو أقرب إلى حكم أحادي يستند إلى القوة أكثر من التوافق والشراكة الوطنية.
هذا الغياب أسهم في تعميق مخاوف الأقليات الدينية والمناطقية من شكل الحكم القائم، خاصة في ظل الخطاب الطائفي المتصاعد، وضعف الضمانات الدستورية، واستمرار النهج الأمني في إدارة الخلافات. ومع محدودية الثقة المتبادلة بين السلطة والمجتمع، بات الاستقرار الداخلي هشاً وقابلاً للاهتزاز عند أي ضغط سياسي أو اقتصادي.
وعليه، فإن مستقبل المرحلة الانتقالية يبقى مرهوناً بقدرة الحكم القائم على الانتقال من منطق السيطرة إلى منطق الشراكة، وبناء مؤسسات شاملة تطمئن مختلف المكونات السورية، وتؤسس لشرعية داخلية حقيقية تتجاوز الاعتراف الخارجي المؤقت.
الخلاصة
السياسة الداخلية السورية في 2025 اتسمت بـ:
- تركيز السلطة بدل بنائها
- إدارة أمنية بدل حكم مدني
- قرارات اقتصادية قاسية دون شبكة أمان
- عجز عن ضبط الشارع أو احتواء الانقسامات
- شرعية خارجية مقابل هشاشة داخلية
عام 2025 لم يكن عام استقرار، بل عام فرض أمر واقع مع دولة ضعيفة ومجتمع منهك.
إقرأ أيضاً: سوريا 2025: عندما يتحوّل الخطاب الطائفي إلى جمر تحت الرماد
إقرأ أيضاً: كيف أضاع تفكيك الجيش بوصلة الأمن في سوريا خلال 2025؟
إقرأ أيضاً: رفع العقوبات: من العزلة الدولية إلى الانفتاح المشروط