الدولة كمزوّد ظل للخدمة: تحديات إدارة اشتراكات الاتصالات في سوريا

في ريف دمشق، تتحول عملية الحصول على خط هاتف أرضي وخدمة الإنترنت إلى رحلة بيروقراطية معقدة، تكشف عن خلل بنيوي في إدارة قطاع الاتصالات، وغموضاً حول حقوق المشتركين، في وقت يفترض أن تكون هذه الخدمة من أبسط مسؤوليات الدولة.

رحلة الاشتراك: من المعاملة الروتينية إلى التعقيد المستمر

تبدأ خطوات الاشتراك بخطوات تبدو اعتيادية: التوجه إلى مقسم الهاتف، دفع الرسوم المطلوبة، ووعد بالتركيب خلال أسبوع. لكن المشترك غالبًا لا يحصل على إيصال أو عقد رسمي، ولا حتى رقم هاتف أو أي وثيقة تثبت اشتراكه في النظام الرسمي للشركة السورية للاتصالات.

تتعدد المراجعات والزيارات، مع تفسيرات متناقضة من موظفي المقسم حول سبب التأخير، مثل “مشاكل تقنية في المركز الرئيسي”، “نقص المواد”، أو الحاجة إلى توفير كابلات إضافية تُعرف باسم “الجنابر” على نفقة المشترك لتسريع التركيب. وبعد أكثر من شهر، يتم تركيب الخط الأرضي، مع تزويد المشترك بقصاصة ورق ممزقة بخط اليد تحتوي على بيانات الدخول للإنترنت، من دون مستند رسمي أو إيصال.

شهادات متناقضة: المقسم والمشتركون

مديرة مقسم ضاحية قدسيا، المهندسة هيفين صنوبر، وصفت هذه الحالات بأنها “استثنائية”، مؤكدة وجود سجلات رسمية لجميع المشتركين، وأن جزءاً من المشاكل يعود إلى نقص في المواد من قبل المؤسسة العامة للاتصالات ووزارة الاتصالات، وليس إلى إدارة المقسم.

لكن مراجعين آخرين أكدوا عدم حصولهم على أي وثائق رسمية، وشراء “الجنابر” على نفقاتهم الشخصية، ما يعكس فجوة بين ما يُعلن رسمياً وما يواجهه المواطنون على الأرض.

وزارة الاتصالات: تأمين المواد مسؤوليتنا والخطوات إلكترونية

مدير دائرة الإعلام في وزارة الاتصالات، عمار التكلة، نفى وجود نقص عام في المواد اللازمة لتركيب الخطوط، موضحاً أن التأخير كان محدوداً ضمن إطار عقد محدد، وتمت معالجته.

وأشار التكلة إلى أن الشركة السورية للاتصالات توثق كل عملية مالية أو خدمية عبر نظام “CCBS”، مع إمكانية حصول المشترك على بيان مفصل بالفاتورة يثبت جميع العمليات، بدل الإيصال الورقي التقليدي. كما أكد أن أي طلب من المواطن لشراء كابلات أو مواد على نفقته الشخصية يُعد مخالفاً للتعليمات ويعرض المخالف للمساءلة.

اشتراكات غير معلنة لدى مزود خاص

بعد تركيب الخط الأرضي، واجه بعض المشتركين انخفاض سرعة الإنترنت بسبب انتهاء الباقة، قبل أن يتضح أن اشتراكهم كان مسجلاً لدى مزود خدمة خاص يُدعى “أمنية”، من دون علم المشترك أو موافقته عند التسجيل ودفع الرسوم، ما اضطره لدفع عمولة تصل إلى 25% عند شحن الرصيد.

شركة “أمنية” أكدت أن المشترك مسجل لديها، لكن من دون عقد مسبق، ويمكن تنظيم العقد عند الطلب. أما العمولات المرتفعة، وفقًا للمصادر، فهي ناتجة عن آلية التحصيل المعتمدة من قبل الشركة، رغم أن الشركة تنصح باستخدام الحوالات عبر “الهرم” لتقليل العمولة إلى 1%.

الإطار القانوني: تحت رقابة الوزارة

التكلة أوضح أن المزوّدات الخاصة مرخصة لدى الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد، وأن أي نشاط داخل المقاسم يجب أن يتم ضمن عقود واتفاقيات قانونية، ولا يُسمح لأي مزود بالعمل دون موافقة المؤسسة ووجود إطار قانوني واضح. كما شدد على أن أي تسجيل لمواطن لدى مزود خاص دون علمه يشكل مخالفة تعرض المسؤول للمساءلة القانونية والإدارية.

خلل استثنائي أم مؤشر أوسع؟

تكشف الوقائع فجوة واضحة بين الإطار القانوني والتنظيمي الرسمي، وبين ما يواجهه المواطنون داخل المقاسم. فالاشتراك بلا إيصالات أو عقود رسمية، وطلب شراء مواد على نفقة المشترك، وتسجيله لدى مزود خاص دون علمه، يعكس خللاً أكبر في الإدارة والرقابة والتواصل مع الجمهور.

بين الرواية الرسمية التي تؤكد الالتزام بالإجراءات، والواقع الميداني الذي يظهر مشاكل متكررة، تبقى الأسئلة حول مسؤولية ضبط الأداء ومحاسبة المخالفات وضمان حقوق المشتركين، مفتوحة أمام الجهات المعنية، بوصفها اختباراً عملياً لشفافية الإدارة وتحويل القوانين إلى ممارسة ملموسة.

اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.