الملكية الكاملة للأجانب في سوريا: طوق نجاة للاقتصاد أم تسليم لمفاتيح الإعمار؟

أقرت الحكومة السورية في عام 2025 قانوناً جديداً للاستثمار، وُصف بأنه “انعطافة جذرية” في الفكر الاقتصادي للدولة، حيث سمح للمستثمرين الأجانب بتملك مشاريعهم بنسبة 100% دون اشتراط وجود شريك محلي.

تأتي هذه الخطوة في وقت تبدو فيه البلاد بأمس الحاجة لسيولة خارجية لترميم ما خلفته سنوات الحرب التي استنزفت الموارد وفتتت البنية التحتية.

أرقام صادمة وخيارات اضطرارية

وفقاً لما نقله تلفزيون سوريا في تقريره، فإن كلفة إعادة إعمار البلاد تتجاوز حاجز الـ 216 مليار دولار بحسب تقديرات البنك الدولي. ومع تراجع الناتج المحلي وتآكل الاحتياطيات النقدية

لم يعد فتح الباب للاستثمار الأجنبي مجرد “ترف” أو خيار اقتصادي متاح، بل غدا “خياراً اضطرارياً” لا بديل عنه لتغطية الفجوة التمويلية الهائلة التي تعجز الدولة عن سدها بمفرها.

من جانبه، يسوق رئيس هيئة الاستثمار السورية، طلال الهلالي، ميزات القانون الجديد بوصفه يقدم “ضمانات غير مسبوقة”، تشمل:

  • إعفاءات ضريبية كاملة في قطاعات حيوية.
  • تسهيلات في استقدام العمالة الأجنبية.
  • التزام حكومي بعدم التدخل في إدارة المشاريع.

جدلية الفرص والمخاطر: رؤى الخبراء

يرى الخبير الاقتصادي حسن حيدر العيلي، في حديثه لـ تلفزيون سوريا، أن القانون ليس “عصا سحرية” لكنه أداة لبعث رسائل طمأنة للمستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن الأمان القانوني والسيادي.

واعتبر العيلي أن الملكية الكاملة تخفف من الهواجس المرتبطة بالبيروقراطية والتدخلات السياسية التي تعيق عادةً دخول رؤوس الأموال إلى مناطق النزاعات.

في المقابل، يطرح المستثمر الأردني محمد الخمايسة وجهة نظر توازن بين التفاؤل والحذر؛ فبينما يرى في الاستثمار الأجنبي محركاً لتوفير فرص العمل ونقل التكنولوجيا في قطاعات الطاقة والنقل، فإنه يحذر من مخاطر “الهيمنة”:

  • إقصاء المحلي: خطر تغول الشركات الكبرى على حساب المشاريع السورية الصغيرة والمتوسطة.
  • نزيف الأرباح: تحويل الأرباح بالكامل للخارج قد يفرغ الدورة الاقتصادية المحلية من قيمتها المضافة.
  • ضعف القطاع المصرفي: غياب نظام مالي قوي يجعل من الصعب الاستفادة القصوى من هذه التدفقات.

الدروس المستفادة والعقبات القائمة

يشير التقرير، بناءً على تحليل العيلي، إلى أن النصوص القانونية وحدها لا تكفي. فنجاح التجربة السورية مرهون بمدى استقلالية القضاء الاقتصادي ومحاربة الفساد المؤسسي.

ويستشهد التقرير بتجارب دولية؛ حيث نجحت فيتنام بفضل إصلاحات هيكلية عميقة، بينما تعثر الأثر التنموي في العراق رغم فتح الأسواق بسبب ضعف الحوكمة وعدم الاستقرار.

تبقى العقبات الدولية والعقوبات المالية “حجر عثرة” أمام التحويلات البنكية، مما يضع الدولة أمام تحدي خلق قنوات بديلة أو تحقيق اختراقات سياسية تشرعن هذه الاستثمارات دولياً.

الخلاصة

تجد سوريا نفسها اليوم أمام معادلة صعبة؛ فالحاجة الملحة لتمويل إعادة الإعمار تصطدم بخشية فقدان السيطرة على مفاصل اقتصادية سيادية.

وبين طموح النص التشريعي وتعقيدات الواقع، يظل نجاح هذا القانون معلقاً بقدرة السلطات على تحويله إلى بيئة عمل شفافة وعادلة تخدم المجتمع السوري على المدى الطويل.

 

اقرأ أيضاً:صناديق الاستثمار في سوريا: أداة تمويل ناشئة بين فرص تحريك الاقتصاد وتحديات

اقرأ أيضاً:خبير اقتصادي: رفع العقوبات قد يزيد الإغراق والاستيراد… وليس الاستثمار!

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.