مراسيم أحمد الشرع تُنشئ هيئة المنافذ والجمارك بصلاحيات واسعة تهدد السيادة النقدية
أصدر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع خلال الأيام الماضية سلسلة مراسيم رئاسية أثارت جدلاً واسعاً في سوريا، أبرزها إنشاء الهيئة العامة للمنافذ والجمارك ومنحها استقلالية مالية وإدارية غير مسبوقة، إضافة إلى تشكيل اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير، في خطوة تُعد جزءاً من إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، لكنها تثير مخاوف من تآكل صلاحيات الوزارات وتراجع السيادة النقدية.
استقلالية واسعة ترتبط برئاسة الجمهورية:
وفق المرسوم رقم (244) لعام 2025، الذي نقلته وكالة “سانا”، أصبحت الهيئة الجديدة مرتبطة مباشرة برئاسة الجمهورية ومقرها دمشق، مع منحها شخصية اعتبارية واستقلالاً مالياً وإدارياً كاملاً.
وفي مراسيم لاحقة، عيّن الشرع قتيبة أحمد بدوي رئيساً للهيئة بمرتبة وزير، إلى جانب خالد محمد البراد معاوناً لشؤون الجمارك، وأحمد علي مصطفى معاوناً للشؤون البحرية.
وفي اليوم التالي، صدر المرسوم رقم (263) لعام 2025 لتشكيل اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير برئاسة رئيس الهيئة، وعضوية معاوني وزارات المالية والاقتصاد والزراعة والإدارة المحلية، إضافة إلى مدير الجمارك العامة، لتصبح الجهة المخولة بإقرار السماح أو المنع للسلع، وإدارة القوائم السلبية للاستيراد والتصدير تحت إشراف رئاسة الجمهورية.
جذور سلطة الهيئة الجديدة:
تعود بدايات هذه الهيكلية إلى إنشاء “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية” في نهاية 2024 بقرار إداري سريع، لكن ربطها برئاسة الجمهورية في آذار 2025 جعلها تتحول إلى أعلى سلطة اقتصادية – مالية في سوريا الجديدة.
وسحبت الهيئة تدريجياً مؤسسات رئيسية من وزارات النقل والاقتصاد والصناعة والمالية، بينها:
1- مرفأ طرطوس
2- مرفأ اللاذقية
3- المديرية العامة للموانئ
4- المؤسسة العامة للنقل البحري
5- شركة التوكيلات الملاحية
6- المناطق الحرة
7- مديرية الجمارك العامة
“دولة داخل الدولة”: صلاحيات بلا رقابة
يعتبر مراقبون أن الهيئة باتت كياناً موازياً للدولة يسيطر على الحدود والمرافئ والجمارك، وعلى إيرادات بمليارات الليرات والدولارات من دون أي سقف رقابي أو إطار قانوني يضبط توسعها.
ووصل تغول الهيئة إلى ذروته في 11 كانون الثاني 2025 حين أصدرت تعرفة جمركية جديدة لـ 6000 سلعة، وفرضت تحصيل الرسوم بالدولار حصراً، متجاوزة قوانين النقد والجمارك والتجارة التي تنص على اعتماد الليرة السورية حصراً.
وبذلك أصبحت أول مؤسسة حكومية تشرعن التعامل بالدولار داخل الحدود السورية من خارج أي إطار تشريعي.
شرعنة الدولار وتدهور قيمة الليرة:
يقر خبراء بأن فرض التعامل بالدولار في المنافذ أرسل رسالة خطيرة للسوق بأن الليرة السورية لم تعد عملة موثوقة، ما أدى إلى توسع “الدولرة” في القطاعات الخدمية والتجارية.
وتحتفظ الهيئة بإيراداتها بعيداً عن وزارة المالية، وسط غياب كامل للشفافية حول حجم الأموال المحصلة، وقنوات إنفاقها، أو الحسابات التي تُودع فيها.
وأكدت مصادر اقتصادية لموقع “هاشتاغ” أن ما يجري هو إدارة صندوق مالي موازٍ خارج الخزينة العامة، يُحول ما يشاء ويحتفظ بما يشاء، بينما فقدت وزارة المالية السيطرة على أهم إيراداتها السيادية.
أرقام تختفي وسيادة نقدية تتآكل:
قبل سقوط النظام، كانت إيرادات الجمارك تتجاوز التريليون ليرة عام 2022 وتدخل مباشرة إلى وزارة المالية، أما اليوم فلا أحد يعرف حجم الإيرادات أو أين تذهب، وسط مخاوف من تحول الجمارك إلى مصدر تمويل منفصل لجهة غير خاضعة للمساءلة، بحسب الموقع.
وتحذر الباحثة الاقتصادية رشا سيروب من “تعديات خطيرة” تمارسها الهيئة عبر إصدار قرارات منع أو سماح للاستيراد والتصدير، متجاوزة قانون الجمارك 38 لعام 2006، وفرض رسوم لا سند تشريعياً لها، معتبرة أن ذلك يرسل رسائل سلبية للمستثمرين والمؤسسات الدولية، ويكشف غياب الشفافية في أخطر ملف اقتصادي بعد الحرب، وهو ملف (الحدود – التجارة – الموارد السيادية).
اقتصاد موازٍ فوق الدولة:
يحذّر اقتصاديون وقانونيون من أن استمرار سيطرة الهيئة على الجمارك والمرافئ وإيرادات الدولار يدفع البلاد نحو اقتصاد موازٍ يفوق سلطة الدولة الرسمية، ما يهدد السيادة النقدية ويزيد انهيار الليرة ويضعف قدرة الحكومة على إدارة مواردها.
ويرى الخبراء أن الحل يبدأ بـ:
1- إعادة الجمارك إلى وزارة المالية
2- وقف تحصيل الرسوم بغير الليرة السورية
3- نشر بيانات علنية عن الإيرادات
4- إخضاع الهيئة للرقابة والمساءلة
5- تفكيك شبكات النفوذ التي توسع نفوذها عبر المنافذ
وإلى أن يتحقق ذلك، سيظل “الحاجز الجمركي” داخل سوريا بمثابة محطة جباية خاصة، فيما تبقى الليرة الضحية الأولى، والمواطن يدفع الثمن مضاعفاً: مرة عند الحدود، ومرة في انهيار ما تبقى من اقتصاد بلاده.
إقرأ أيضاً: الحل نت: كيف استحوذ “الشرع” على بوابة سوريا المالية والحدودية؟
إقرأ أيضاً: سياسات جمركية متناقضة تكشف عمق الانقسام الاقتصادي