“تعبٌ لا يشيخ”.. رحلة المتقاعدين الشاقة نحو الراتب في دمشق

لا تزال مشاهد الازدحام أمام الصرافات الآلية تعكس جانباً قاسياً من الواقع المعيشي في سوريا، إذ يتحول مطلع كل شهر إلى اختبارٍ صعب للمتقاعدين الذين أمضوا عقوداً في خدمة المؤسسات الحكومية، ليجدوا أنفسهم اليوم في طوابير طويلة تمتد ساعات، بحثاً عن راتب بالكاد يكفي لسد الاحتياجات الأساسية.

ورغم الزيادة الأخيرة في الرواتب التي كان يُفترض أن تخفف جزءاً من الأعباء، فإنها كشفت عمق الأزمة المرتبطة بضعف البنية المصرفية وسوء جاهزيتها، حيث تعمل نسبة محدودة من الصرافات في دمشق وريفها، فيما تتكرر الأعطال ونقص السيولة بشكل شبه دائم. ومع سقوف السحب المحدودة، يضطر المتقاعدون إلى التنقل بين أجهزة مختلفة، غالباً دون نتيجة سريعة، ما يفاقم الإرهاق الجسدي والنفسي خاصة لدى كبار السن.

وبين وعود رسمية بتوسيع شبكة الصرافات وتحسين الخدمة، وواقعٍ يعكس فجوة كبيرة بين المخطط والمنفَّذ، تبقى معاناة المتقاعدين ثابتة: المشكلة لم تعد في قيمة الراتب فقط، بل في الطريقة التي يُدار بها صرفه.

منذ ساعات الصباح الأولى، يقف أبو خالد (64 عاماً)، المتقاعد من وزارة الصحة منذ 2017، أمام أحد صرافات المصرف العقاري في دمشق. يقول لموقع تلفزيون سوريا: “المسموح نسحب مرتين بالشهر، زمان ما كان في هالأزمة لأن الرواتب قليلة وما عليها ضغط، كنا نسحب 200 ألف مرة واحدة. اليوم الراتب حوالي 800 ألف وعلى دفعتين، وهون صار الزحام الكبير”.

ويضيف: “نحنا كبار وما عاد صحتنا تتحمّل.. الراتب زاد، بس والله عم نموت لنقبضه. لازم يزيدوا عدد الصرافات أو يخلّوا البطاقة مفتوحة بأي وقت”. ثم يختم: “منطلع من الصبح ومنرجع بعد العصر.. ومنستلم الراتب بطلوع الروح”.

سعيد الكيلاني (61 عاماً)، المدرّس المتقاعد منذ 2020، يصف الازدحام أمام الصرافات بأنه “مرهق وغير إنساني”:
“معظمنا كبار.. مريض بالقلب أو الربو واقف بالساعات. العدد كبير والاكتظاظ بيزيد بين العاشر والخامس عشر كل شهر”.

ويوضح أن الموظفين العاملين استفادوا من أجهزة “الكاش” التي خففت ضغط الصرافات عنهم، “لكن المتقاعدين ما عندهم نفس الخيار”.

ويقترح الكيلاني حلاً تنظيمياً: “لو قسمونا حسب أرقام البطاقات أو وزعونا على أيام معينة، كان خف الضغط وصار في تنظيم أفضل.. اشتكينا كتير بس ما في استجابة”.

عماد الدبس (67 عاماً)، المتقاعد من وزارة الزراعة، يخوض رحلة شهرية طويلة للوصول إلى صراف يعمل. يقول: “أحياناً منوقف ساعتين أو ثلاث ساعات، وبعدين تفضى الحصالة.. منرجع ندوّر على صراف ثاني. مناطقنا بعيدة ومنركب سرفيسات أكثر من مرة لنقدر نوصل”.

ويضيف مناشداً الجهات المسؤولة: “نحنا كبار بالعمر.. بدنا حل. لازم يعزّزوا الصرافات بالسيولة، يشغّلوا صرافات إضافية، أو ينظموا المواعيد حسب الفئات. الوقفة بهالعمر ومع هالأمراض صعبة كتير”.

معاناة مستمرة بلا حلول واضحة

بالنسبة للمتقاعدين، العمل الحكومي انتهى.. لكن “تعب العمر” كما يصفونه، لم ينتهِ مع التقاعد. الازدحام، الأعطال، نقص السيولة، وطول الانتظار باتت تفاصيل ثابتة في حياتهم الشهرية، في وقت لا تزال الإجراءات الحكومية المحدودة عاجزة عن تغيير واقع يُثقل كاهل كبار السن الذين ينتظرون حلاً يضمن لهم كرامة وراحة طال غيابهما.

اقرأ أيضاً:تكلفة المعيشة في دمشق 2025: زيادات حكومية بلا أثر… وواقع معيشي معقد

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.