داما بوست-خاص| لا أرض ميعاد لكم، ولو تكلمت الأرض والتراب والحجارة في فلسطين ولبنان لنطقت بلسان عربي فصيح، سنطردكم من هواء لبنان وطرق غزة، وشوارع القدس، وليس كما تزعمون بأن الله وعدهكم بأرض القدس
وإذا عدنا إلى الوراء نستذكر ما ورد في المنشورات التي نشرتها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، والتي تمَّ توزيعها فى الضفة الغربيَّة، رسالة تهديد للفلسطينيِّين في الضفة تحمل هذه العبارات: “سنطردكم بقوَّة من أرضنا المقدَّسة التي كتبها الله لنا، والذي أمرنا بعدم الارتداد عنها مهما صار، لتتمَّ علينا كلِمَةُ رَبِّنَا الْحُسْنَى بِمَا صبرنا معكم، احملوا حمالتكم فوراً، وارحلوا من حيث ما أتيتم إنَّنا لآتُونَ.”
وهذا النصُّ لم يأتِ من فراغٍ، ولكن من تزييف الصهاينة للتاريخ منذ قرون، وهم ماضون في تزييفه بمناهجهم الدراسيَّة، وفي خضم حربهم المجنونة على غزة ولبنان، ويبدو أن دخول المؤرخ الإسرائيلي زئيف إرليخ إلى أرض لبنان ليس سوى حلقة من حلقات التضليل حاول أن يؤرخ لها ويكذب فيها مجدداً عن حق لهم مزعوم في أرض لبنان، كما يكذبون ويقولون إنَّ فلسطينَ هي أرضُ الميعاد التي وعدَهم اللهُ بها، فلقد بنى اليهودُ الصهاينةُ ادِّعاءاتهم بأرض الميعاد بأنَّ اللهَ رسمَ لهم مملكةً، وحدَّدها جغرافيًّا من النِّيلِ إلى الفُراتِ.
لكن الحقيقة تقول إنهم كذبوا وزعموا واليوم تظهر هجرة الصهاينة المعاكسة أن لا حق لهم في أرض فلسطين ولبنان وغيرهما، وهذه الهجرة التي فرضتها معادلة طوفان الأقصى وصواريخ حزب الله تجرف أوهام أرض الميعاد، التي طالم زعم الاحتلال أنها ملك لهم.
واليوم ينهار حلم الصهاينة بشكل دراماتيكي فلا مكان صالح لعيش الصهاينة في أرض المعياد المزعومة جراء الانهيار العسكري والأمني والاقتصادي والسياسي لكيان الاحتلال وتصاعد ضربات المقاومة الفلسطينية واللبنانية لمواقع وجنود قوات الاحتلال في مدن ومستوطنات شمال ووسط فلسطين المحتلة، وفي الجنوب يسطر رجال حزب الله صفحات مشرقة، وطوفان آخر جرف أوهام جيش الاحتلال في أي تفوق عسكري أو تحقيق أي إنجاز ميداني يذكر.
الحرب البربرية المجنونة على غزة بشكل خاص بقيادة حكومة نتنياهو ومنذ الأيام الأولى من طوفان الأقصى سعت لتهجير ملاييين الفلسطينيين من قطاع غزة باتجاه أوروبا وفي الأوطان البديلة في صحراء سيناء المصرية والأردن وكينيا، لكنها وجدت نفسها بعد أكثر من عام في مواجهة تحدٍّ داخلي خطير، يتمثل في تسارع وتيرة هجرة اليهود المعاكسة من الأراضي المحتلة باتجاه بلدان “الزنابق البيضاء” في أوروبا وأمريكا وكندا.
وتأتي موجات تصاعد الهجرة المعاكسة من الأراضي المحتلة، بالتزامن مع تنامي حالة السخط الشعبي في الشوارع ضد حكومة نتنياهو، والتي يطالب خلالها المحتجون بالتحقيق مع نتنياهو ووزراء حكومته بتهم التسبب في مقتل الأسرى الصهاينة وتدمير المدن المحتلة والأضرار التي لحقت بكيان الاحتلال وسمعته في المحافل الدولية، وذلك في ظل عجز قواتها من تحقيق أي تقدم في الحرب على غزة واتساع دائرة تفوق حزب الله اللبناني ضد كيان الاحتلال، بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي المتسارع الذي فاقم من ارتفاع أسعار السلع، وغلاء المعيشة، خاصة بعد تمكن القوات المسلحة اليمنية من إغلاق أحد أهم موانئ شريان الاقتصاد الصهيوني في أم الرشراش “إيلات.”
ما يحدث في “إسرائيل” دوماً يميط اللثام عنه إعلام الاحتلال، ومواقع عبرية كشف عن ارتفاع حاد في عدد الصهاينة المهاجرين إلى كندا، مرجعة أسباب هجرتهم إلى “استمرار الحرب واضطراب الديمقراطية”، حسب ما ذكر الإعلام العبري.
أرض الميعاد تنخسف وتتبدد في عقول الإسرائيليين، ووسائل إعلام عبرية كشفت في أعقاب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، حقائق صادمة بشأن مغادرة مليون صهيوني الأراضي الفلسطينية المحتلة، عائدين إلى بلدانهم الأصلية، ولا سيما في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ولن ننسى كيف كانت نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء، الذي كشف مطلع الشهر الجاري أن 47% من الإسرائيليين يرغبون في مغادرة أراضي فلسطين المحتلة، بينما يشعر 71% منهم بالتشاؤم إزاء أوضاعهم المعيشية في الأشهر الأولى من طوفان الأقصى، والأدهى من ذلك، أن 50% من الصهاينة إما تضرروا مباشرةً من عملية طوفان الأقصى، أو يعرفون شخصاً في محيطهم القريب تأثر بها.
وتتزامن هذه الهجرة العكسية مع سلسلة كبيرة من الإخفاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية لـ حكومة نتنياهو، والتي أدت للمرة الأولى منذ تأسيس كيان الاحتلال في مايو 1948م، إلى إصدار المحاكم الدولي قرار محاكمة بحق قادة كيان الاحتلال بتهم ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية شملت جرائم الإبادة الجماعية واستخدام التجويع والأمراض كسلاح حرب وهو ما يثبت أن كيان الاحتلال وقادته كيان إرهابي خالص، وأن حربهم وجرائمهم بشهادة جنود احتياط مقصودة بغرض القتل والإبادة عن سابق قصد.
أكذوبة أرض الميعاد باتت تتكشف هذه الأيام، حيث تُلقي الهجرة المعاكسة بثقلها على المستقبل الوجودي لكيان الاحتلال ومستوطنيه اقتصاديا وعسكرياً، وهو يعاني من عزوف متنامٍ عن الانخراط في صفوفه، وكذا رفض الحريديم لأوامر التجنيد الإلزامي الأمر الذي دفع الحاخام الأكبر لليهود مطلع العام الجاري لإطلاق حملة تهديد بمغادرة الأراضي المحتلة بشكل جماعي، في حال تنفيذ خطة قوات الاحتلال لتجنيد الحريديم.