عودة مؤلمة: أهالي إدلب يجدون مدنهم بلا كهرباء أو خدمات أساسية

بعد سقوط نظام الأسد في أواخر عام 2024، بدأت ملامح عودة الأهالي إلى مناطقهم في ريف إدلب الجنوبي، التي تمتد من مدينتي سراقب ومعرة النعمان وصولاً إلى جبل الزاوية. هذه العودة تحمل معها آمالاً كبيرة، لكنها تصطدم بواقع قاسٍ خلّفته سنوات الحرب: دمار هائل، وبنية تحتية منهارة، وغياب شبه كامل للخدمات الأساسية، وعلى رأسها الكهرباء.

صراع العودة في ظل انعدام الخدمات
يفضل كثير من الأهالي العودة إلى قراهم المدمرة على البقاء في مخيمات النزوح، على الرغم من حجم الخراب الهائل.

يوضح عبد الباسط الشوارغي، رئيس بلدية معرشمشة، أن الدمار في ريف معرة النعمان الشرقي وحده تجاوز 70%، وشمل أكثر من 50 قرية وبلدة.

يقول الشوارغي إن غياب البنية التحتية هو التحدي الأكبر، فالكهرباء، ومحطات ضخ المياه، وشبكات الصرف الصحي كلها مدمرة بالكامل. ويشير إلى أن عناصر النظام السابق قامت بتفكيك وسرقة كل ما يتعلق بشبكات الكهرباء، تاركةً المنطقة بأكملها بلا محطات أو أعمدة أو أسلاك. ويعتمد الأهالي حالياً على ألواح الطاقة الشمسية البدائية التي لا تكفي سوى لتأمين أبسط الاحتياجات المنزلية، ما يزيد من الأعباء المعيشية والاقتصادية عليهم.

اقرأ أيضاً:أطفال بلا هوية في إدلب: أبناء المقاتلين الأجانب ضحايا حرب وحرمان قانوني

ظلام دامس وتأثيرات عميقة
مع غياب الكهرباء، تغرق مدن وقرى ريف إدلب الجنوبي في ظلام دامس بمجرد حلول الليل، ما يحولها إلى مدن أشباح. تقول براءة رضوان، من أهالي سراقب، إن غياب الكهرباء ليس مجرد انقطاع في الإضاءة، بل هو “أساس لكل شيء: للمنازل، والزراعة، والمياه، وحتى الإحساس بالأمان”.

هذا الظلام لا يؤثر فقط على الحياة اليومية، بل له أثر عميق على فئات معينة. شيماء هلال، وهي طالبة جامعية من ذوي الهمم، تشير إلى أن انقطاع الكهرباء يجعل حياتها شبه مشلولة. فهي لا تستطيع الاعتماد على الأجهزة الطبية أو حتى الإضاءة لمتابعة دراستها، ما يسبب لها العزلة ويصعّب عليها القيام بأبسط المهام.

شريان الاقتصاد متوقف
تأثير غياب الكهرباء يمتد ليشمل القطاع الاقتصادي، ما يعيق محاولات إعادة الحياة للورش والمصانع.

أبو يوسف، الذي كان يملك معملاً للسجاد في بلدة معرشورين، يؤكد أن الكهرباء هي “شريان العمل والإنتاج”، وأن استعادة الحياة الطبيعية أمر مستحيل بدونها، فالمصانع التي كانت تعج بالنشاط تحولت إلى أطلال صامتة.

يواجه المزارعون تحديات مماثلة. أبو علي الرشيد، وهو مدير مدرسة ومزارع، يرى أن غياب الكهرباء يحرم المزارعين من تشغيل مضخات المياه، ما يجعل من الصعب إحياء الأراضي الزراعية التي دمرها النظام السابق.

معاناة الأطفال وعودة ناقصة
الأطفال هم الأكثر تضرراً من هذا الواقع، يقول عبد الباسط دعيمس، أحد أبناء معرشورين، إن كثير من الأطفال ولدوا في المخيمات ولم يعرفوا قراهم الأصلية. وعند عودتهم، وجدوا أنفسهم في بيئة غريبة تفتقر لأبسط مقومات الحياة. علاء الأصفر، أحد العائدين إلى معرة النعمان، يضيف أن الأطفال يعيشون في بيئة تفتقر إلى المدارس المناسبة وأماكن اللعب الآمنة، ما يؤثر سلباً على صحتهم النفسية ويحرمهم من طفولتهم الطبيعية.

على الرغم من إطلاق بعض المشاريع الخدمية من قبل محافظة إدلب، مثل ترميم المدارس والمراكز الصحية، إلا أن البنية التحتية للكهرباء ما تزال غائبة بشكل كامل. ويبقى السؤال معلقاً: هل ستتمكن هذه المناطق من استعادة مقومات الحياة الكاملة، أم أن غياب الخدمات الأساسية سيجعل هذه العودة ناقصة ومليئة بالتحديات؟

 

اقرأ أيضاً:إدلب تغرق مجددًا في الظلام: أزمة الكهرباء بلا حلول

اقرأ أيضاً:شركة الراقي في إدلب: هل تؤسس هيئة تحرير الشام ذراعًا اقتصادية تحت ستار إعادة الإعمار؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.