داما بوست _ كاترين الطاس| “المدارس صارت لتضييع الوقت والتسلية”.. “جيل تربى بالحرب شو بتتوقعوا يطلع منه”.. “التعليم عنا فاشل وما في انضباط بالمدارس”.. جمل كثيرة وقعت على سمعي عندما بدأت بإعداد هذا التحقيق الصحفي، ولعل الأسباب واضحة وراء هذه النظرة لقطاع التعليم، فبالإضافة لانتشار جميع ما يخطر على البال من “ممنوعات” داخل أسوار المدارس، يتصدر العنف كالظاهرة الأكثر خطورة، فهو يتخطى كونه سلوكاً من الممكن تغييره، ليصل مرحلة القتل..
فما زالت قضية الاعتداء على الطفلة “تسنيم حداد” من قبل 10 طالبات بمدينة حلب، متواصلة حتى اليوم، والتي انتهت ببتر جزء من مشط القدم اليمنى مع كافة أصابع القدم، أما فيما يخص إصابة عينيها، فبحسب قول والدها فإنها ترى بعين 1/10 وبالثانية 2/10 وتحتاج إلى عملية لتركيب عدسات كلفة كل عدسة 800 دولار.. ولكن ما حدث في إحدى مدارس دمشق كان أشد “وحشية”.. فسبب “مزحة”، توفي الطالب “ورد نظير كفتارو” في المرحلة الإعدادية، متأثراً بإصابته بجروح بليغة في الجمجمة، بسبب مزاح زميله معه، بعدما دفعه من المقعد، حيث سقط وارتطم رأسه على الأرض.
“مدعومين”!
يقول (حسن، ر) أستاذ مادة الرياضيات في إحدى مدارس العاصمة لـ “داما بوست”: “سياسة وزارة التربية أضعفت هيبة المدرّس أمام التلاميذ، علماً أن هذه السياسة تطبق فقط على المدرسين غير المدعومين، بينما يمارس مدرسون آخرون انتهاكات من دون حساب ولكنهم مدعومين ولا أحد يتجرأ على محاسبتهم”.
وما تم ذكره سابقاً هو نماذج على سبيل المثال لا الحصر، فأشكال العنف تعددت في المدارس السورية، من قبل الطلاب بين بعضهم أو بين الأساتذة والطلاب، فبمحافظة حماة قامت مُدرِّسة مادة الرياضة بضرب طفل في الصف الأول على منطقة “الخاصرة” مما تسبب له بنزيف حاد وبقي أكثر من 20 يوم بمجمع الأسد الطبي.
وبالرغم من غياب وجود إحصائيات دقيقة لعدد حالات العنف في المدارس السورية، ولكن من المؤكد أن العدد تضاعف منذ بداية الحرب وما رافقها من حوادث ومشاهد وصور قاسية ستبقى محفورة بالذاكرة.. ولكن يبقى السؤال المشروع: أين وزارة التربية مما يحصل داخل المدارس؟..
ولأهمية وحساسية هذا الموضوع، خاضت “داما بوست” ملف “العنف المدرسي” مع القاضي المستشار “محمد عروس”، والمحامية “رهف صالح” المختصة بالجرائم الواقعة على الأشخاص، والأخصائية النفسية “رشا بطيري”.
لا يوجد “مادة” في القانون
أوضح القاضي محمد عروس في تصريح خاص لـ “داما بوست”، بأنه لا يوجد في قانون العقوبات العام مادة تخص موضوع العنف بالمدارس سواء كان من قبل الطالب أم المدرّس، وإنما يتم التعامل مع جميع الحالات التي ترد للقضاء وفق مواد قانون العقوبات الفصل المتعلق بالجرائم الواقعة على الأشخاص مثل الإيذاء المقصود وفق المادة ٥٤٠ عقوبات وجرم الذم والقدح وفق المواد ٥٦٨- ٥٧٠ عقوبات.
“كرامة” المعلم
وتابع القاضي: “أبلغتنا وزارة التربية بتعرُّض العديد من المعلمين للشكاوى الكيدية بسبب مخالفات منسوبة إليهم ناشئة عن عملهم الوظيفي وأن إجراءات التحقيق الأولية التي يجريها مساعدو الضابطة العدلية معهم تتم أحياناً في المدارس والمؤسسات التربوية أو بعد استدعائهم بطريقة تنعكس سلباً على العملية التربوية وتنال في بعض الحالات من كرامة المعلم والاحترام الذي يحظى به”.
وأكمل قائلاً: “ولما كانت المادة /٢٣/ من قانون المحاكم المسلكية نصَّت صراحة على أنه (لا يجوز ملاحقة أحد العاملين أمام القضاء بجرم ناشئ عن العمل قبل إحالته إلى المحكمة المسلكية وفقاً لأحكام هذا القانون) واستثنت من ذلك حالات الجرم المشهود والادعاء الشخصي والحالات التي تنطبق عليها أحكام المادة /٣٧/ من قانون العقوبات الاقتصادي، وحرصاً من وزارة العدل على عدم المساس بكرامة المعلم وجلال الرسالة التي يعمل لأجلها ولضرورة التعامل معه بكل الاحترام الذي يليق بقدسية التعليم وعلى حسن سير العملية التربوية في المدارس والمعاهد والمؤسسات التربوية والتعليمية وتأكيداً منها على التعاميم السابقة لا سيما التعميم رقم ٤ لعام ٢٠١٠، وعملاً بأحكام المادة العاشرة وما يليها من قانون أصول المحاكمات الجزائية فقد تتضمن التعميم رقم (١٥) لعام ٢٠١٩ الطلب من المحامي العام وقضاة النيابة العامة اتباع الإجراءات التالية في حال تقديم الشكاوى أو الادعاء الشخصي بحق أحد المعلمين:
١ – حصر دراسة الشكاوي والادعاءات الشخصية بالمحامي العام الأول أو المحامي العام حسب الحال
2 – في حال تبين أن الشكوى تتعلق بمخالفات تربوية ناشئة عن العمل الوظيفي تحال الشكوى إلى مدير التربية في المحافظة لمعالجتها أو تكليف الرقابة الداخلية بالتحقيق فيها واستكمال إجراءاتها القانونية
3- إذا تبين من دراسة الشكوى جدية الادعاء وأن المخالفات المنسوبة تنطوي على جرم جزائي جنائي أو جنحي شائن يُقدر المحامي العام الإجراءات اللازمة للتحقيق من الضابطة العدلية مباشرة أو من مساعديها ويتابع الإشراف على التحقيقات بما يضمن تحقيق العدالة دون المساس بحسن سير العملية التربوية”.
المناهج “سيئة”
من جانبها، بيّنت المحامية رهف صالح في حديثها لـ “داما بوست”، بأن ظاهرة العنف المدرسي زاد انتشارها مؤخراً، فقد لوحظ ارتفاع معدل وجود هذه الظاهرة مقارنة بالسنوات السابقة، بالإضافة للتنمر والتخريب، وهذا السلوك يؤدي إلى إلحاق الضرر بالطالب والمعلم والمدرسة، مؤكدة أنه لا بد من إيجاد حلول لهذه الظاهرة الخطيرة.
وأضافت: “يصل إلينا شكاوى عديدة تتعلق بالعنف المدرسي من قبل المعلمين على تلاميذهم أو بين التلاميذ أنفسهم، فما زلنا نرى مشهد العنف يتردّد في مدارسنا، ونشاهد معه صور القسوة التي ترافقه، ولا تزال وزارة التربية ومديرياتها تقف عاجزةً أمام الحل”.
أما عن الأسباب وراء هذه الظاهرة، فأشارت إلى أن سوء المناهج وعجزها عن مواكبة أحوال الطالب هو من أهم الأسباب، بالإضافة أيضاً لغياب الدروس الإنسانيّة والروحيّة والقانونية، وغياب عنصر الأمان والرعاية في جميع مدارس سوريا، والواقع الاقتصادي الذي نعيشه وما خلّفه من مظاهر القلق الأسريّ، والتمييز بين الطلبة من قبل المدرّسين، وغياب البرامج التوعوية في الإذاعات والانشغال عن الطلبة.
تخصيص مادة قانونية
وأردفت المحامية: “ممّا لا شكّ فيه أنّ المرحلة القادمة يجب أنْ تتحمّل المدرسة مراحل الرعاية الأولى، والالتفات إلى الطلبة، فيجب إنشاء مناهج تحاكي القيم الإنسانيّة، وتقديم برامج في المدارس تحفّز الطالب على المشاركة وتحمّل المسؤولية، وأقترح أيضاً تخصيص مادة قانونية وتدريسها للطلاب في المدراس”.
ضحايا الفقر
أما الأخصائية النفسية رشا بطيري، فقد كشفت في حديث خاص لـ “داما بوست”، بأننا يمكننا أن نجد جذور مشكلة سلوكيات العنف في المدارس عند هذا الجيل على عدة أصعدة، بداية على صعيد البيئة العائلية من خلال تعرضهم لأشكال متنوعة من العنف في حياتهم العائلية إما بأن يكونوا ضحايا مباشرين أو ضحايا ثانويين، وعلى صعيد آخر تعرضهم للتنمر من قبل أصدقائهم والمجتمع من حولهم حيث ما يزال لهذه الظاهرة السيئة انتشار واسع”.
وتابعت: “كما نجد أن ضيق الحالة الاقتصادية العامة للمجتمع وقلة وفرة الموارد الأساسية عند طبقة واسعة من طبقات المجتمع يلعب دوراً كبيراً بتغذية وجود هذه السلوكيات كونها تؤثر على انخفاض جودة حياة أفرادها وتنقص من تلبية احتياجاتهم فيزداد إحساسهم بالضغط النفسي ويعطيهم مشاعر كامنة من التوتر والغضب والحزن، ولا يستطيعون تفريغ هذه المشاعر في قنوات مفيدة”.
دعم نفسي “مجاني”
وعن الحلول المقترحة للحد من ظاهرة العنف، رأت بطيري بأن الحل يجب أن يتم على مجالات مختلفة وبشكل متكامل، فتتكافل المؤسسات الحكومية ومؤسسات العمل المدني والمجتمع لتنفيذ الحلول المناسبة والمفصلة على قياس كل منطقة، قد تكون البداية من خلال إجراء المسح وإعداد دراسات عن أماكن انتشار هذه الظاهرة وأسبابها العامة والخاصة، ثم التخطيط لمشاريع وبرامج من الأنشطة المناسبة لمكافحتها.
وأكملت: “أقترح هنا أن يتم أيضاً تنفيذ عدة برامج في المدارس تقوم على توعية الأطفال بمخاطر الظاهرة وتساعدهم في اكتساب المهارات اللازمة لإدارة مشاعرهم المؤلمة، ومن ناحية أخرى أن يتم توفير خدمات الدعم النفسي المجانية للأفراد الأقل قدرة مادية”.
يشار إلى أن معظم المدارس السورية تعاني من نقص حاد في الكوادر التعليمية، مما يضطر بعض المناطق إلى دمج الصفوف والمدارس، بالإضافة إلى افتقارها أيضاً إلى أبسط المقومات والخدمات اللازمة، من كتب وقرطاسية ومحروقات لتدفئة الطلاب.