الليرة السورية على أعتاب تغيير تاريخي.. حذف صفرين وإصدار عملة جديدة في ظل اقتصاد منهك

مع اقتراب نهاية عام 2025، تدخل الليرة السورية منعطفًا نقديًا بالغ الحساسية، في ظل خطة لدى مصرف سوريا المركزي لحذف صفرين من العملة الوطنية وإصدار فئات نقدية جديدة، في خطوة توصف بأنها إجراء تقني ضروري أكثر من كونها حلًا جذريًا للأزمة الاقتصادية الخانقة.

وتأتي هذه الخطوة في سياق محاولة أخيرة لاستعادة قدر من السيادة النقدية وضبط كتلة مالية ضخمة خرجت عن السيطرة الرسمية، واستقرت لسنوات في السوق السوداء ومخازن الاكتناز، بفعل التضخم وفقدان الثقة بالقطاع المصرفي.

حذف الأصفار عن الليرة السورية.. إجراء تقني لا يعالج التضخم:

بحسب المعطيات المتداولة، تشمل الخطة إصدار ست فئات نقدية جديدة تبدأ من 10 ليرات وتصل إلى 500 ليرة بالقيمة الجديدة، مع فترة تداول مزدوج تمتد لنحو ثلاثة أشهر بين العملة القديمة والجديدة.

اقتصاديًا، يُعد حذف الأصفار إجراءً محاسبيًا يهدف إلى تبسيط التعاملات وتقليل تكاليف الطباعة، وليس وسيلة لرفع القوة الشرائية أو خفض التضخم، وهو ما تؤكده تجارب دول عديدة مثل فنزويلا وزيمبابوي.

وتتزامن هذه النقاشات مع استمرار التذبذب في سعر صرف الليرة السورية، حيث تراوح الدولار في السوق غير الرسمية خلال كانون الأول/ديسمبر 2025 بين 11 و11.7 ألف ليرة، ما يعكس فجوة واضحة بين السعر الرسمي وسعر السوق.

فئات صغيرة في اقتصاد متآكل:

في ظل تراجع الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 50% منذ بداية الصراع، وفق بيانات البنك الدولي، تبدو عودة فئات صغيرة مثل “الليرة الواحدة الجديدة” خطوة رمزية أكثر منها عملية، في اقتصاد فقدت فيه الليرة معظم قوتها الشرائية.

ويشير خبراء إلى أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في شكل العملة، بل في وجود كتل نقدية ضخمة خارج النظام المصرفي، تُقدّر بعشرات التريليونات من الليرات، ما يحدّ من قدرة المصرف المركزي على التحكم بالعرض النقدي أو التأثير في السوق.

استقرار نقدي هش واقتصاد منقسم:

يؤكد المحلل الاقتصادي الدكتور فراس شعبو لموقع “الحل نت” أن سوريا لا تمتلك استقرارًا نقديًا حقيقيًا، بل تعيش حالة استقرار هش ومجزأ، نتيجة الانقسامات الجغرافية والنقدية، وضعف الاحتياطيات الأجنبية، والدولرة الواسعة التي جعلت الدولار مرجعية أساسية للتسعير.

وأوضح شعبو أن إصدار عملة جديدة لن يرفع قيمة الليرة، بل يهدف فقط إلى تسهيل التداول اليومي بعد أن أصبحت العمليات الحسابية معقدة بفعل التضخم.

تغيير العملة دون إصلاحات.. مخاطر مضاعفة:

يحذر خبراء اقتصاديون من أن تبديل العملة دون إصلاحات هيكلية، وشفافية في حجم الإصدار، واستقلال حقيقي للمصرف المركزي، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويقوض الثقة بالعملة الجديدة قبل أن تستقر في السوق.

ويؤكد شعبو أن قوة العملة ليست قرارًا نقديًا معزولًا، بل انعكاس لقوة الدولة ومؤسساتها، وقدرتها على ضبط الإنفاق العام، ودعم الإنتاج، وجذب الاستثمارات، وبناء احتياطيات نقدية حقيقية.

دعم خارجي محتمل بعد رفع العقوبات:

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس خلال حديثه لـ “الحل نت” أن خطوة تبديل العملة، رغم خطورتها، قد تكون مدفوعة بتوقعات دعم نقدي خارجي، خاصة بعد رفع عقوبات “قانون قيصر”، مرجحًا وجود تفاهمات غير معلنة مع أطراف إقليمية أو دولية لدعم الاستقرار النقدي.

لكنه شدد على أن توقيت العملية بالغ الأهمية، مشبهًا الاقتصاد السوري بـ”مريض يحتاج إلى استقرار قبل الخضوع لعملية جراحية”.

ثقة السوق شرط النجاح:

أما الخبير الاقتصادي الدكتور زياد عربش، فاعتبر أن الجدل حول العملة الجديدة يعكس قلقًا مشروعًا في الشارع السوري، مؤكدًا أن نجاح أي عملية نقدية يتطلب:

1- وقف التمويل بالعجز

2- دعم الإنتاج الزراعي والصناعي

3- بناء احتياطيات أجنبية

4- ضبط الاستيراد

5- تعزيز الشفافية والسياسة النقدية

وحذر من أن الخاسرين المحتملين من العملية، في حال غياب الإصلاحات، هم أصحاب الدخل الثابت والمدخرات الصغيرة، ما قد يحول الإصدار إلى ضريبة تضخمية غير معلنة.

كيف يُقاس نجاح العملة الجديدة؟

بحسب عربش، يمكن الحكم على نجاح التجربة خلال عام واحد عبر مؤشرات واضحة، أبرزها:

1- استقرار سعر الصرف

2- ضبط التضخم دون 15%

3- زيادة الطلب على الليرة الجديدة

4- تراجع الدولرة

5- نمو الودائع والمعاملات المصرفية بنسبة لا تقل عن 20%

خلاصة المشهد النقدي السوري:

1- حذف الأصفار إجراء تقني لا يعالج جوهر الأزمة

2- نجاح العملة الجديدة مشروط بإصلاحات اقتصادية شاملة

3- الثقة بالمؤسسات أهم من شكل الورقة النقدية

4- الدعم الخارجي قد يكون عاملًا حاسمًا

5- دون إصلاحات، يبقى خطر التضخم والدولرة قائمًا

ويبقى السؤال: هل ستكون العملة السورية الجديدة بداية مسار تعافٍ حقيقي، أم مجرد تغيير شكلي في اقتصاد لم يستعد عافيته بعد؟

إقرأ أيضاً: خبير اقتصادي: رفع العقوبات قد يزيد الإغراق والاستيراد… وليس الاستثمار!

إقرأ أيضاً: خبير اقتصادي: تحسن الليرة السورية هش ويعتمد على العوامل النفسية بعد إلغاء قانون قيصر

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.