صناديق الاستثمار في سوريا: أداة تمويل ناشئة بين فرص تحريك الاقتصاد وتحديات

تتزايد في سوريا الدعوات إلى البحث عن أدوات تمويل بديلة وأكثر مرونة، في ظل ضيق القنوات التمويلية التقليدية وتراجع القدرة على الائتمان، ما أعاد صناديق الاستثمار إلى صدارة النقاش الاقتصادي بوصفها إحدى الآليات المحتملة لتحريك السيولة المجمدة وتنشيط الأسواق.

وفي هذا السياق، أعلن رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية، عبد الرزاق قاسم، قبل أيام عن البدء بإعداد تشريع خاص بصناديق الاستثمار، في خطوة اعتُبرت تمهيدًا لإدخال أدوات مالية جديدة إلى السوق السورية، ضمن مسار تحديث الإطار التشريعي والمالي.

وتُعد صناديق الاستثمار من الأدوات المالية المعتمدة عالميًا لتجميع رؤوس الأموال وتوجيهها نحو مشاريع مختلفة، بما يتيح للأفراد، بمن فيهم من لا يمتلكون خبرة مالية متخصصة، المشاركة في الاستثمار عبر إدارة احترافية، وبمستويات مخاطرة متفاوتة.

ماهية صناديق الاستثمار وآلية عملها
يعرّف الباحث الاقتصادي ومدير عام مجموعة الجودة للدراسات، ماجد شرف، صناديق الاستثمار بأنها “أوعية مالية جماعية تجمع أموال مجموعة من المستثمرين لاستثمارها في محفظة متنوعة من الأصول، مثل الأسهم والسندات والعقارات، وتُدار من قبل مدير محترف بهدف تحقيق عوائد أعلى مما يمكن للمستثمر الفرد تحقيقه بموارده المحدودة”.

وأوضح شرف، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن أموال الصندوق تُقسّم إلى وحدات متساوية يشتريها المستثمرون، ويتم احتساب صافي قيمة الوحدة بشكل يومي بما يعكس أداء المحفظة الاستثمارية.

وأشار إلى أن صناديق الاستثمار تتخذ أشكالًا متعددة، من بينها صناديق تُدار كشركات مساهمة أو عبر عقود استثمارية، يحصل فيها كل مستثمر على وثيقة تمثل حصته من إجمالي الأصول. كما تنقسم بحسب طبيعة استثماراتها إلى صناديق أسهم، تركّز على شراء أسهم الشركات المدرجة مع ارتفاع مستوى المخاطر واحتمال تحقيق عوائد أعلى، وصناديق سندات تستثمر في السندات الحكومية أو سندات الشركات لتأمين دخل ثابت يناسب المستثمرين المحافظين، إضافة إلى صناديق مختلطة تجمع بين الأسهم والسندات لتحقيق توازن بين النمو والاستقرار.

وبيّن شرف أن إنشاء الصندوق يبدأ بترخيص شركة إدارة تحدد أهدافه وسياسته الاستثمارية، ثم طرح وحداته للاكتتاب العام أو الخاص، ليتم بعدها احتساب صافي قيمة الوحدة يوميًا، واستثمار الأموال وفق الاستراتيجية المحددة، مع إصدار تقارير دورية للمستثمرين، وتوزيع الأرباح نقدًا أو عبر إعادة استثمارها، مع إمكانية بيع الوحدات وفق آليات محددة.

دوافع التشريع والفوائد المتوقعة
ويرى شرف أن توجه هيئة الأوراق والأسواق المالية نحو إعداد تشريع خاص بصناديق الاستثمار يأتي في إطار السعي لتنويع مصادر التمويل، وتقليل الاعتماد على التمويل المصرفي التقليدي في ظل القيود الحالية وارتفاع المخاطر. كما يسهم هذا التوجه في جذب رؤوس أموال لأفراد لا يملكون خبرة مباشرة في الأسواق، وتحويل مدخراتهم إلى استثمارات منظمة، ما قد يوسع حجم السوق ويرفع مستويات التداول.

وأشار إلى أن إدخال هذه الأدوات ينسجم مع رؤية تحديث السوق المالية السورية والانتقال من سوق ضيقة وتقليدية إلى سوق رأسمالية أكثر فاعلية، عبر اعتماد أدوات حديثة مثل صناديق الاستثمار، والتمويل الجماعي، والصكوك الإسلامية.

من جانبه، اعتبر الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب، حسن حزوري، أن صناديق الاستثمار تمتلك قدرة على توسيع قاعدة المستثمرين، إذ تتيح للمستثمر الصغير دخول السوق بمبالغ أقل مقارنة بالاستثمار المباشر في الأسهم. كما تسهم في تنويع المنتجات المالية وزيادة السيولة، نظرًا لإمكانية شراء وبيع وحدات الصناديق تبعًا لحركة السوق.

وأضاف حزوري أن زيادة المشاركة في السوق عبر هذه الصناديق قد تساعد على تسعير أكثر كفاءة للأوراق المالية، بعيدًا عن المضاربات غير المنظمة، مع اقتراب الأسعار من قيمها الحقيقية.

ثقافة استثمار محدودة ومعوقات نفسية
رغم هذه الإيجابيات، يلفت حزوري إلى أن ثقافة الاستثمار في الأدوات المالية المنظمة، مثل صناديق الاستثمار، لا تزال محدودة الانتشار في سوريا، حيث يفضل كثيرون الودائع البنكية أو الاستثمارات غير الرسمية، نتيجة ضعف الوعي أو الخشية من المخاطر.

ويتقاطع هذا الرأي مع ما طرحه شرف، الذي أشار إلى أن أكثر من 70% من المدخرات السورية تتجه نحو الذهب أو الفضة أو العقارات، أو إلى استبدال الليرة السورية بالعملات الأجنبية، في ظل غياب فعلي لصناديق الاستثمار بسبب نقص التشريعات وضعف الوعي المالي. وأضاف أن العوائق النفسية ونقص الثقة بالشفافية والمؤسسات، إلى جانب المخاوف من الانهيار الاقتصادي، تجعل هذه الصناديق أقل جاذبية مقارنة بالاستثمارات التقليدية، رغم قدرتها المحتملة على تحقيق عوائد سنوية تتراوح بين 15 و25% عبر التنويع المنظم.

وأشار شرف إلى محاولات سابقة، مثل إطلاق صندوق أولي برأسمال مليار ليرة سورية عام 2022، لم تُحدث تحولًا واسعًا في سلوك المستثمرين، ما يعكس الحاجة إلى تغيير ثقافي يعزز الثقة بالتنظيم المؤسسي.

التحديات القائمة وآفاق بناء الثقة
بدوره، حدد الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، الدكتور مجدي الجاموس، ثلاثة تحديات رئيسية أمام نجاح صناديق الاستثمار في سوريا، تتمثل في ضعف البيئة القانونية الحامية للمستثمرين، والحالة الأمنية والانقسام على مستوى البلاد، إضافة إلى غياب ثقافة الاستثمار في الأسواق المالية.

وأوضح الجاموس أن هذه العوامل تقلل من رغبة المستثمرين في الدخول إلى السوق في الظروف الراهنة، معتبرًا أن الأشهر الستة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد نجاح أو فشل العديد من المشاريع الاستثمارية. وأضاف أنه في حال تجاوز هذه التحديات، قد تتشكل بيئة أكثر جاذبية، بما يشجع شركات أجنبية على دخول السوق السورية، ويفتح مرحلة جديدة للنشاط الاقتصادي.

وفي إطار البحث عن حلول عملية، اقترح شرف إطلاق “صندوق تجريبي مغلق” برأسمال حكومي محدود يبلغ نحو خمسة مليارات ليرة سورية، يُدار تحت رقابة دولية مؤقتة لمدة عام، ويستثمر في أصول منخفضة المخاطر، مثل السندات الحكومية وأسهم مختارة، مع نشر نتائجه بشكل يومي عبر تطبيق سوق دمشق للأوراق المالية.

ويرى شرف أن هذه الخطوة قد تسهم في اختبار التشريع الجديد، وبناء الثقة، وتطوير الكفاءات، وجذب تدفقات محلية تدريجية، بما يحول التحديات القائمة إلى تجربة عملية لقياس فرص نجاح صناديق الاستثمار في بيئة سورية خاصة.

اقرأ أيضاً:مصرف سوريا المركزي يحدد موعد استبدال العملة السورية مطلع 2026

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.