رفع العقوبات: من العزلة الدولية إلى الانفتاح المشروط

داما بوست -خاص

منذ سقوط النظام السوري السابق في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، دخل ملف العقوبات الدولية على سوريا مرحلة مفصلية، أنهت عملياً سياسة العقاب الشامل وفتحت الباب أمام مسار جديد يقوم على الدعم المشروط والمراقبة الدولية.
هذا التحول لم يكن قراراً واحداً، بل نتيجة مسارات متوازية سياسية وقانونية واقتصادية، قادتها واشنطن والسعودية، وواكبها الاتحاد الأوروبي والدول العربية، مع دور متصاعد للأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية.

إقرأ أيضاً: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بعد سقوط النظام السابق

إقرأ أيضاً: سوريا 2025: عام الفجوة بين الخطاب والواقع

أولاً: المسارات الدولية لرفع العقوبات

1- المسار الأمريكي: تحييد العقوبات دون إلغائها

اختارت الولايات المتحدة مقاربة براغماتية تجاه سوريا، تقوم على تجميد مفاعيل قانون قيصر بدل إلغائه الفوري، كونه قانوناً تشريعياً أقره الكونغرس.

  • التراخيص العامة (General Licenses): أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) رخصاً استثنائية سمحت بكامل التعاملات المالية والتجارية مع مؤسسات الحكومة الانتقالية، خاصة في قطاعات الطاقة، النقل، الاتصالات، والخدمات الأساسية.
  • تعليق جزئي لبنود قيصر: جرى تجميد ملاحقة الشركات والدول المتعاملة مع دمشق الجديدة، طالما أن الأنشطة تصب في الاستقرار ومنع الانهيار الاقتصادي.

2- المسار الأوروبي: تفكيك القوائم السوداء

تحرك الاتحاد الأوروبي بوتيرة أسرع:

  • شطب مؤسسات سيادية: بدء إزالة أسماء مؤسسات وطنية من قوائم العقوبات، مثل الخطوط الجوية السورية والمصرف التجاري السوري، ما سمح بعودتها التدريجية للنظام المالي العالمي (SWIFT).
  • رفع الحظر التقني: السماح بتصدير التكنولوجيا مزدوجة الاستخدام لإعادة تأهيل الكهرباء والمياه والقطاع الصحي.

3- المسار العربي والإقليمي: كسر العزلة اقتصادياً

كانت الدول العربية الأكثر عملية في التعامل مع الواقع الجديد:

  • إحياء الاتفاقيات الثنائية: إعادة فتح المعابر وتنشيط حركة التجارة مع الأردن والعراق وتركيا.
  • الربط الطاقي: استئناف مشاريع الغاز والكهرباء الإقليمية، وعلى رأسها الخط العربي، دون خشية من تبعات قانونية دولية.

4- مسار الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية

  • التعافي المبكر: تحوّلت المساعدات من إغاثية إلى تنموية، مع دعم مالي عبر البنك الدولي وصندوق النقد لتثبيت العملة واستقرار الأسعار.
  • السيادة الجوية: بدأت منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) إعادة دمج المطارات السورية في حركة الطيران الدولية.

ثانياً: الدبلوماسية السورية الجديدة وكسر الطوق السياسي

قاد رئيس السلطة الانتقالية أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني حراكاً دبلوماسياً مكثفاً استهدف العواصم المؤثرة في قرار رفع العقوبات.

  • تركيا: تنسيق أمني وسياسي شامل، تفعيل كامل للمعابر، ودعم مباشر لملف سوريا داخل الناتو والاتحاد الأوروبي.

السعودية: زار الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الرياض والتقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب إعلان الولايات المتحدة رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، لمدة 6 أشهر..

وطلب ترامب من الشرع الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع مع “إسرائيل”، ودعاه إلى “ترحيل الإرهابيين الفلسطينيين”، وفقًا لبيان صادر عن البيت الأبيض.

  • قطر: إطلاق صندوق دعم الاستقرار، ووساطة غير معلنة مع واشنطن لتخفيف القيود المصرفية.
  • الأردن: إعادة تشغيل الخط العربي للغاز، وتسهيل حركة الشاحنات، ورفع القيود عن قطاع النقل.
  • بروكسل: بدء المراجعة القانونية الرسمية للقوائم السوداء الأوروبية.
  • الإمارات: توقيع مذكرات تفاهم لإعادة تأهيل الموانئ والمطارات، والبدء بآلية فك تجميد الأصول السورية في الخارج.

رفع العقوبات عن أحمد الشرع وأنس خطاب:

أعلنت جهات دولية رفع العقوبات المفروضة على رئيس السلطة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطاب، في خطوة تعكس تحولًا في الموقف الدولي تجاه دمشق، ودعمًا للمسار السياسي الجديد القائم على الانفتاح والتعاون المشروط، ضمن إطار مراقبة دولية للالتزامات الأمنية والسياسية.

ثالثاً: قانون قيصر… من العقوبة الشاملة إلى الاحتواء المرحلي

لم تلغِ واشنطن قانون قيصر دفعة واحدة، بل اعتمدت مساراً رباعياً لتحييد أثره:

  1. التراخيص العامة: السماح الفوري بالتعامل مع مؤسسات الدولة الجديدة.
  2. الاستثناءات الرئاسية (Waivers): تعليق العقوبات عن قطاعات الطاقة، البنك المركزي، والطيران المدني.
  3. إعادة توصيف الدولة: الانتقال من معاقبة الدولة السورية إلى معاقبة رموز النظام السابق فقط.
  4. المسار التشريعي: العمل على “قانون استقرار سوريا” ليحل محل قيصر، وربط الإلغاء النهائي بشروط تخضع لتقييم دوري كل ستة أشهر، لمدة 4 سنوات.

الشروط الأساسية المطروحة:

  • مكافحة تنظيم داعش
  • إبعاد المقاتلين الأجانب عن مواقع القرار
  • حماية حقوق الأقليات
  • عدم تهديد دول الجوار
  • تنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس 2025 مع قوات سوريا الديمقراطية
  • مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

الخلاصة: رفع العقوبات… فرصة مشروطة

تقف سوريا في 2025 أمام فرصة تاريخية للخروج من العزلة، لكنها ليست شيكاً مفتوحاً.
نجاح هذا المسار مرهون بقدرة السلطة الانتقالية على الالتزام السياسي والأمني، وتحقيق استقرار داخلي يطمئن المجتمع الدولي، ويفتح الباب أمام إعادة الإعمار والاستثمار طويل الأمد.

إقرأ أيضاً: سوريا 2025: عندما يتحوّل الخطاب الطائفي إلى جمر تحت الرماد

إقرأ أيضاً: كيف أضاع تفكيك الجيش بوصلة الأمن في سوريا خلال 2025؟

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.