خلف قناع القوة: التحليل النفسي للطفل المتنمر وكيفية إعادة بناء شخصيته
جذور العدوانية: ما الذي يحاول طفلك قوله عبر التنمر؟
تعد صدمة الأهل عند اكتشاف أن طفلهم يمارس التنمر على زملائه لا تقل عن صدمة أهل الضحية، ولكن الحقيقة العلمية تؤكد أن التنمر ليس مجرد سلوك عدواني عابر، بل هو صرخة استغاثة غير مباشرة. فالطفل المتنمر غالباً ما يعاني من صراعات داخلية أو احتياجات عاطفية لم يجد لها مخرجاً صحياً، مما يجعل التعامل معه يتطلب نفساً طويلاً وفهماً عميقاً للجذور النفسية للمشكلة، فالقوة التي يظهرها في الخارج ما هي إلا غطاء لهشاشة داخلية.
لماذا يختار الطفل “السيطرة” وسيلة للتعبير؟
لا يولد الطفل متنمراً، بل يصنع التنمر نتيجة عوامل بيئية ونفسية متداخلة؛ قد يكون الدافع هو نقص الثقة بالنفس، حيث يلجأ الطفل للسخرية من الآخرين ليشعر بالقوة والاعتبار الذي يفتقده. وفي حالات أخرى، يكون التنمر “سلوكاً مكتسباً” نتيجة تعرض الطفل نفسه لانتقادات قاسية أو إهانات داخل المنزل أو المدرسة، فيقوم بتفريغ هذا الغضب المكبوت فيمن هم أضعف منه. لذا، فإن أول خطوة للحل هي البحث عن “الدوافع النفسية” وليس فقط التركيز على السلوك الظاهري.
الذكاء العاطفي كبديل للعنف اللفظي والجسدي
رد الفعل الغاضب أو التوبيخ العلني قد يوقف السلوك مؤقتاً، لكنه يزرع الخجل المرضي ويزيد من عدوانية الطفل سراً. الطريقة الصحيحة تبدأ بنقاش هادئ يهدف إلى فهم كواليس الموقف بعيداً عن التهديد؛ شجعي طفلك على وصف مشاعره أثناء ممارسة التنمر وبعده، وساعديه على تخيل تأثير أفعاله في الطرف الآخر. هذا النوع من الحوار يبني مهارة “التعاطف الوجداني”، وهي المفتاح الأساسي لتطوير ذكائه العاطفي وإيقاف دائرة العنف.
إعادة تأهيل السلوك: وضع الحدود وتعليم المهارات البديلة
يحتاج الطفل إلى فهم أن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها، لذا يجب وضع قواعد واضحة تفيد بأن الإيذاء مرفوض تماماً، مع تحديد عواقب منطقية وثابتة. وبالتوازي مع الحزم، يجب تدريب الطفل على مهارات التواصل الصحي، مثل كيفية التعبير عن الإحباط بالكلمات بدلاً من الهجوم، وكيفية التفاوض لحل الخلافات. إن هدفنا ليس معاقبة الطفل، بل تصحيح مساره النفسي لتمكينه من بناء علاقات سوية ومستقرة في المستقبل.
خارطة الطريق: كيف تبنين جسراً من التعاون مع المدرسة؟
لا يمكن للأم خوض هذه المعركة بمفردها، إذ تظل المدرسة هي الشريك الأساسي في رحلة التغيير. تبدأ خارطة الطريق بتواصل هادئ ومبكر مع إدارة المدرسة والمرشد الطلابي، ليس من باب الدفاع عن سلوك الطفل، بل لطلب صورة كاملة وحيادية عما يحدث في الفناء المدرسي. اطلبي من المعلمين مراقبة تفاعلاته الاجتماعية وتزويدك بتقارير دورية، مع ضرورة وضع “خطة توجيهية موحدة” تُطبق في البيت والمدرسة معاً لضمان عدم تشتت الطفل بين رسائل تربوية متناقضة.
الهدف من هذا التعاون ليس مراقبة الطفل بغرض العقاب، بل خلق بيئة آمنة تدعمه في تعديل سلوكه وتشعره بأن الجميع يعمل لمصلحته. إن العمل المشترك بين المنزل والمدرسة يعطي نتائج أكثر فاعلية واستدامة، حيث يشعر الطفل بجدية الموقف وبوجود منظومة متكاملة تساعده على اكتساب مهارات القيادة الإيجابية بدلاً من التنمر، مما يحول مسار علاقاته من العدوانية إلى الاحترام المتبادل.
إقرأ أيضاً : حدود الحب: كيف تنظم علاقتك بالأجداد دون جرح المشاعر؟
إقرأ أيضاً : التوحد والتكنولوجيا: كيف يغير الذكاء الاصطناعي والروبوتات مستقبل أطفالنا؟