زراعة حلب بين تحديات الجفاف ودعم الحكومة
مع تراجع مستويات الهطول المطري وامتداد تأثيرات موجات الجفاف الأخيرة، يقف القطاع الزراعي في محافظة حلب على مفترق طرق حاسم، في وقت بدأت الأمطار الأخيرة بإعادة بعض الأمل للمزارعين. إلا أن آثار الجفاف الطويلة ما تزال حاضرة في التربة ومصادر المياه الجوفية، مما يضع موسم الزراعة المقبل أمام تحديات كبيرة.
التحديات المناخية ومخاطر الموسم
تعاني الأراضي البعلية المعتمدة على الأمطار من شح المياه، بينما تواجه المزارع المروية مشاكل انخفاض منسوب الآبار، ما يهدد قدرة الفلاحين على ري محاصيلهم. في ظل هذا الواقع، يجد المزارعون أنفسهم أمام خيار صعب: إما المخاطرة بزراعة أراضيهم وسط مخاوف من انقطاع الأمطار، أو الامتناع عن الزراعة وتحمل خسائر إضافية في مصدر رزقهم الأساسي.
برامج دعم حكومية لتحفيز الإنتاج
لمواجهة هذه التحديات، أطلقت وزارة الزراعة مشروع “القرض الحسن” خلال تشرين الثاني/نوفمبر، ضمن خطة لتعزيز الأمن الغذائي وتنشيط القطاع الزراعي. يوفر المشروع للمزارعين بذار القمح والأسمدة الآزوتية والفوسفاتية بشكل عيني، بقيمة إجمالية تصل إلى نحو 75 مليون دولار، ويعفى القرض من الفوائد والرسوم الإدارية، مع إمكانية السداد بعد الحصاد.
ويشترط الاستفادة من القرض إثبات حيازة الأرض الزراعية أو وثيقة الكشف الحسي، إضافة إلى تقديم كفالات مالية أو عقارية، وتوقيع عقد قرض عيني مع المصرف الزراعي التعاوني، مع الالتزام بالتعاون مع لجان المتابعة. وتستقبل مديريات الزراعة طلبات المزارعين لضمان وصول المستلزمات في الوقت المناسب.
آراء المزارعين
يرى بعض المزارعين أن المبادرة الحكومية تمنحهم فرصة لاستعادة الإنتاج بعد مواسم صعبة، خصوصًا وأن توفير البذار والأسمدة بشكل عيني يخفف العبء المالي، ويشجعهم على العودة للزراعة. وفي المقابل، يشير آخرون إلى أن الدعم لا يغطي المشاكل الأساسية مثل شح المياه وارتفاع كلفة الري والوقود، معتبرين أن القروض وحدها لا تكفي لضمان موسم مستقر.
واقع الأراضي والإمكانات الزراعية في حلب
تتمتع محافظة حلب بتنوع مناخي وتربوي يجعلها بيئة مناسبة لإنتاج محاصيل متنوعة، بدءًا من الحبوب والبقوليات والخضروات، وصولًا إلى المحاصيل الصناعية والفواكه، كما تحتوي على موارد مائية من الأنهار والآبار والمصادر السطحية.
ومع ذلك، فإن موجات الجفاف الأخيرة أثرت بشكل كبير على الأراضي البعلية، وخروج نحو 80% منها من دائرة الإنتاج في الريف الجنوبي الشرقي، كما أن غياب شبكات الري وصعوبة الحصول على مياه الشرب والتهالكات الناتجة عن الحرب تقف عائقًا أمام استثمار الأراضي بشكل كامل.
مشاريع الري كعامل حاسم
تشير المصادر إلى أن توسعة شبكات الري، خصوصًا من نهر الفرات، قد تحول آلاف الهكتارات من الأراضي القاحلة إلى مساحات زراعية مستدامة، مما يعزز الإنتاج المحلي والدورة الاقتصادية في المنطقة. كما يجري التفكير في إعادة تدفق نهر قويق في شمال حلب، ما قد ينعش الأراضي الزراعية ويزيد من المخزون الجوفي الذي استنزف خلال السنوات الماضية.
بين الأمل والمخاطرة
يبقى مستقبل الزراعة في حلب مرهونًا بتنفيذ مشاريع ري مستدامة وإعادة المياه إلى الأراضي العطشى، إذ أن الدعم الحكومي والقروض الميسرة توفر دفعة أولى للمزارعين، لكن الماء وحده هو ما يضمن استمرار الإنتاج واستعادة حلب لدورها كواحدة من أهم سلال الغذاء في سوريا. وبين الإمكانات الكبيرة والواقع المناخي والاقتصادي المعقد، يواصل المزارعون مواجهة تحديات كبيرة، محاولين تحقيق التوازن بين الأرض الخصبة وأزمة المياه، وبين حلم موسم وفير وواقع يتطلب تخطيطًا دقيقًا واستثمارات مستدامة.
اقرأ أيضاً:وزارة الزراعة: استقرار الثروة الحيوانية في سوريا رغم سنوات الحرب وخطط لإعادة ترميم القطيع