نهر العاصي يجف للمرة الأولى في تاريخ سوريا: تداعيات بيئية واقتصادية
يشهد نهر العاصي في سوريا جفافًا كاملًا للمرة الأولى في التاريخ المسجل، في سابقة تعكس حجم التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه البلاد. يأتي هذا الانحسار المائي في ظل تراجع حاد في معدلات الهطول المطري وانخفاض تدفق الينابيع المغذية للنهر، مع وصول منسوب الاحتياطي في سد الرستن إلى الحدود الدنيا، ما يزيد المخاطر على الغطاء النباتي والقطاع الزراعي.
مشاهد مأساوية للجفاف
تظهر مقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي انحسار مياه النهر الذي يبلغ طوله 571 كيلومترًا، ويبدأ من سهل البقاع في لبنان مرورًا بمدن حمص وحماة وجسر الشغور قبل أن يصب في البحر المتوسط قرب مدينة السويدية التركية. هذا الجفاف الكامل يفوق ما شهده النهر قبل نحو 54 عامًا، ويضع المنطقة أمام تحديات بيئية واقتصادية كبيرة.
وقد أشارت وكالة “سانا” إلى أن سهل الغاب شمال غرب سوريا يعاني من أرض متشققة وبرك راكدة، بعد أن كان النهر مصدر حياة للزراعة والري. ونقل عن أحد الصيادين قوله: “النهر لم يعد يغذينا.. والجفاف ليس مجرد نقص ماء.. هو موت لنمط حياة كامل”، ليعكس التحول الدراماتيكي الذي شهده النهر.
آثار على الزراعة والصحة العامة
امتدت التداعيات لتطال الأمن الغذائي والصحة العامة، حيث اضطر بعض المزارعين في ريف حماة لسقاية محاصيلهم من مجاري الصرف الصحي، ما يهدد جودة الإنتاج الزراعي وسلامة المستهلكين، ويزيد من كلفة الري البديل، ما يضع الاقتصاد الزراعي المحلي تحت ضغط شديد.
أسوأ موجة جفاف منذ عقود
تأتي هذه الأزمة المائية في وقت حذر فيه تقرير أميركي صدر في أيلول/سبتمبر من أن شرق المتوسط يشهد أسوأ موجة جفاف منذ عقود، واعتُبرت سوريا من أكثر الدول تضررًا. وأكد المهندس باسل غفاري، مدير الموارد المائية في دمشق وريفها، أن معدلات الأمطار لم تتجاوز 30% في معظم المناطق، ما أدى إلى انهيار مستويات المياه في الأحواض الحيوية، خصوصًا حوض نهر العاصي.
وأوضح غفاري أن النهر يشكل شريان حياة للمدن الرئيسية ويغذي مشاريع الري ومحطات مياه الشرب، مؤكدًا أن توقف النواعير وتجفيف الأراضي الزراعية أثر سلبًا على البيئة والقطاع الزراعي.
ضرورة التعاون الإقليمي
وأشار إلى أن معالجة الأزمة تتطلب تعاونًا إقليميًا، خاصة مع لبنان بوصفه بلد المنبع، من خلال إعادة تنظيم المياه عند المنبع وإصلاح الأقنية المتضررة ومحطات المعالجة. وأكد أن دور تركيا محدود في هذا الملف، ويتركز أكثر على نهر الفرات لضمان الحصة العادلة لسوريا.
جهود لإعادة الإحياء المائي
كشف غفاري عن اجتماعات مع الجانب اللبناني وتعاون تقني مع دول لديها خبرات في تحلية مياه البحر، ضمن جهود لإيجاد حلول طويلة الأمد. كما أشار إلى خطط لإعادة تأهيل السدود والينابيع واستثمار المياه المعالجة في الزراعة، إضافة إلى مشاريع مثل إحياء نهر بردى وتوسيع استخدام المياه المعالجة في الغوطة لتخفيف الضغط عن المصادر الطبيعية.
يُعد توقف جريان نهر العاصي بالكامل مؤشرًا خطيرًا على تهديد القطاع الزراعي السوري ومقدرة البلاد على تلبية احتياجاتها الغذائية، ما يستدعي تدخلًا سريعًا ومدروسًا على المستويين الوطني والإقليمي لمواجهة تداعيات هذه الكارثة التاريخية.
اقرأ أيضاً:جفاف نهر العاصي في سهل الغاب يهدد الحياة البيئية والاقتصادية شمال غرب سوريا