تحولات إسرائيلية في الجنوب السوري: من السيطرة الميدانية إلى هندسة الجغرافيا والديموغرافيا

يعكس المشهد الحالي في الجنوب السوري تحولًا واضحًا في الاستراتيجية الإسرائيلية، من التركيز على الحسابات الأمنية والعسكرية المباشرة إلى تبنّي مقاربة أكثر شمولاً تهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السورية، من خلال دعم كيانات حكم ذاتي ومحاولات التأثير على البنية الاجتماعية المحلية.

وتسعى “إسرائيل”، وفق مراقبين، إلى جعل الواقع السوري الجنوبي متسقًا مع مشروعها التوسعي في المنطقة، عبر الاندماج التدريجي للقوة العسكرية وفتح قنوات نفوذ داخل النسيج الاجتماعي، في إطار ما يشبه سياسة “التطبيع بالترهيب والترغيب”.

توسع عسكري في القنيطرة وتثبيت النقاط الحدودية:

شهدت محافظة القنيطرة خلال الأيام الماضية تصعيدًا في النشاط العسكري الإسرائيلي بالتزامن مع المناورات التي يجريها جيش الاحتلال في الجولان المحتل.

فقد كثّفت “إسرائيل” عمليات الحفر والبناء في مواقع حدودية جديدة، مستخدمة أكثر من ست حفّارات قرب محمية جباتا الخشب، ضمن خطة لربط نحو تسع قواعد عسكرية تقع بين الجولان والحدود السورية.

ووفق مصادر محلية، تعمل “إسرائيل” على تحويل إحدى النقاط الحدودية إلى مركز رصد متقدم ومهبط للطائرات المروحية، مع شق طريق عسكري جديد يربطها مباشرة بالحدود، بما يتيح رؤية استراتيجية واسعة لمناطق الجنوب السوري.

تغلغل اجتماعي وإعلامي في الجنوب السوري:

في سابقة لافتة، بثّت صفحات إسرائيلية غير رسمية فيديو يظهر جنوداً إسرائيليين داخل قرية طرنجة بريف القنيطرة، وهم يتحدثون مع الأهالي ويلعبون مع الأطفال، في محاولة دعائية واضحة لتحسين صورة الاحتلال.

وبحسب تقارير إعلامية، فإنّ “إسرائيل” أنشأت نقطة طبية داخل القرية تحت غطاء منظمة “أطباء بلا حدود”، تقدم من خلالها مساعدات غذائية وألعاباً للأطفال، وسط مخاوف محلية من محاولات تطبيع ناعمة تستهدف كسب تعاطف السكان في المناطق الحدودية.

لكن السكان المحليين رفضوا هذه المساعدات، وأقدم بعضهم على إحراق المواد التي تُترك أمام منازلهم، في رسالة واضحة ضد أي شكل من أشكال التطبيع أو التعاون مع الاحتلال.

القنيطرة بين الفقر والاستغلال الإسرائيلي:

تعيش القنيطرة أوضاعاً معيشية صعبة في ظل غياب فعلي للحكومة الانتقالية وضعف الخدمات الأساسية، ما يجعلها أرضاً خصبة للنفوذ الإسرائيلي.

وتشير تقارير محلية إلى أن الاحتلال يستغل تدهور الوضع الاقتصادي وفقدان مصادر الرزق مثل الزراعة ورعي المواشي، من أجل فرض وقائع جديدة على الأرض، خاصة بعد عمليات تجريف الأراضي الزراعية والمحمية الطبيعية في جباتا الخشب، والتي أثارت خلافات محلية بين القرى المجاورة.

تجنيد الدروز وتوسيع النفوذ في الجولان:

وفي الجولان المحتل، تحدثت صحيفة “إسرائيل هيوم” عن زيادة غير مسبوقة بنسبة 600% في أعداد الدروز المنضمين إلى جيش الاحتلال، مقارنة بما قبل الحرب السورية.

وبحسب التقرير، فإن حوالي 150 شاباً درزياً التحقوا بالخدمة العسكرية، فيما تزايدت طلبات الحصول على الجنسية الإسرائيلية، لتصل التقديرات إلى أن نصف الدروز في الجولان قد يصبحون “مواطنين إسرائيليين” خلال عام واحد.

القانون الإسرائيلي الجديد ومنح الإقامة لدروز السويداء:

وفي سياق متصل، ناقش “الكنيست الإسرائيلي” مؤخرًا مشروع قانون يمنح الإقامة الدائمة للدروز القادمين من السويداء، ضمن شروط محددة تشمل وجود روابط عائلية وخدمة أمنية أو مدنية لـ “إسرائيل”.

ويرى محللون أن هذا القانون يأتي ضمن استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى توسيع نفوذها في الجنوب السوري، واستغلال الأوضاع الاقتصادية والسياسية الهشة في المنطقة لتحقيق أهداف أمنية واستراتيجية طويلة الأمد.

الخلاصة:

تبدو التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري جزءاً من خطة مدروسة لإعادة هندسة الحدود والهوية في آن واحد عبر القوة العسكرية من جهة، والتغلغل الإنساني والاجتماعي من جهة أخرى.

وفي ظل غياب رؤية سورية موحدة أو موقف إقليمي حازم، يظل الجنوب السوري ساحة مفتوحة أمام مشروع الهيمنة الإسرائيلية الذي يتخذ اليوم شكلاً أكثر نعومة وعمقاً مما كان عليه في العقود الماضية.

إقرأ أيضاً: القنيطرة تفقد رئتها الخضراء تحت جرافات الاحتلال.. هل يتحول مصيرها إلى جولان 2؟

إقرأ أيضاً: مشروع قانون إسرائيلي يمنح الإقامة الدائمة لدروز السويداء.. خطوة سياسية أم استثمار في الأزمة السورية؟

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.