اللجوء السوري بين الانحسار والعودة: هل تراجعت الأزمة فعلاً بعد سقوط النظام السابق؟

ما تزال ظاهرة اللجوء السوري واحدة من أبرز تداعيات الحرب السورية وأكثرها تعقيدًا، إذ تجاوزت آثارها حدود الإقليم لتصل إلى عمق المجتمعات الأوروبية التي استقبلت ملايين اللاجئين خلال السنوات الماضية.

ورغم أن دول أوروبا رحّبت في البداية بتدفّق السوريين “طمعًا” في الكفاءات العلمية والمهارات الفنية، فإنها سرعان ما بدأت تشعر بثقل هذا الملف، خاصة بعد عودة موجات اللجوء نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية في سوريا منذ عام 2020، وصعود الأحزاب اليمينية المعارضة للهجرة في عدد من الدول الأوروبية.

ومع تفاقم الأزمة، لجأت بعض العواصم الأوروبية إلى فتح قنوات اتصال أمنية ودبلوماسية مع النظام السوري السابق لمحاولة ضبط الظاهرة، التي تحوّلت من قضية أمنية إلى أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة.

لكن بعد سقوط النظام السابق في كانون الأول الماضي، عادت الآمال الأوروبية بالحد من الهجرة، إذ سارعت دول الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بالحكومة الانتقالية الجديدة والانفتاح على التعاون معها لإطلاق مشاريع التعافي الاقتصادي التي قد تقلّص دوافع اللجوء.

انخفاض مؤقت في أعداد اللاجئين السوريين نحو أوروبا:

بحسب تقديرات هيئات أوروبية وأممية، فقد انخفضت حالات اللجوء السوري إلى أوروبا بنسبة تزيد عن 60% خلال الأشهر الماضية، نتيجة التغييرات السياسية في دمشق، وتعليق بعض الدول النظر في طلبات اللجوء الجديدة.

إلا أن هذا التراجع لا يعني أن الهجرة توقّفت نهائيًا، إذ ما تزال عوامل عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي حاضرة بقوة، وتشكل دافعًا مستمرًا للهجرة، وإن بوتيرة أقل من السابق.

وتُقدّر التقارير أن ما لا يقل عن 40% من دوافع اللجوء القديمة لا تزال قائمة، خاصة بعد تصاعد الأحداث في مناطق الساحل وريف دمشق والسويداء، ما دفع مئات العائلات من أبناء بعض الأقليات الدينية والقومية إلى اللجوء نحو لبنان أو محاولة الهجرة الشرعية وغير الشرعية إلى أوروبا وكندا.

الهجرة مستمرة رغم التغييرات السياسية:

رغم انخفاض نسب اللجوء، سجّل العام الحالي عدة حوادث مأساوية، منها غرق قارب يحمل لاجئين سوريين قبالة سواحل قبرص في آذار الماضي، أدى إلى مقتل سبعة أشخاص على الأقل، وحادث آخر في لامبيدوزا الإيطالية في كانون الثاني، فقدت فيه امرأة سورية وطفلها.

كما تشير بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أن نحو 850 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم منذ سقوط النظام السابق، معظمهم من تركيا ولبنان والأردن والعراق، في حين يرفض آلاف آخرون العودة بسبب الانفلات الأمني وصعوبة المعيشة.

العودة لا تزال محدودة:

في المقابل، أعلنت الحكومة السورية الانتقالية أن دخول أكثر من أربعة ملايين شخص إلى البلاد منذ بداية العام مؤشر على تعافيها واستعادتها للاستقرار، إلا أن الأرقام الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية تُظهر أن هذا النمو لا يتجاوز 8.5% عن العام الماضي، وهو ما يعكس استقراراً مؤقتاً لا تحولاً حقيقياً في اتجاهات الهجرة.

ويُقدَّر متوسط عدد القادمين شهرياً بحوالي 415 ألف شخص، لكن معظمهم من العابرين أو الزوار المؤقتين، ما يعني أن العودة الطوعية المستدامة ما زالت محدودة جداً.

الخلاصة:

رغم التفاؤل الأوروبي بانخفاض أعداد اللاجئين، تشير المعطيات إلى أن ظاهرة اللجوء السوري لن تتوقف بالكامل طالما بقيت الأزمات الاقتصادية والأمنية قائمة.

فالخوف من المستقبل، والضبابية السياسية، وغياب فرص العمل، كلها عوامل تدفع شرائح واسعة من السوريين إلى اختيار طريق الهجرة مجددًا، بحثًا عن الأمان والحياة الكريمة.

إقرأ أيضاً: مفوضية اللاجئين: عودة اللاجئين السوريين محفوفة بالتحديات ونقص حاد في الدعم الدولي

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.