شهدت قضية الفتاة روان أسعد خلال الأيام الماضية تطورات متسارعة أثارت جدلاً واسعًا، وأعادت إلى الواجهة أسئلة جوهرية حول الأمن المجتمعي، والعدالة، ووحدة النسيج السوري، وسط تفاعل رسمي وشعبي.
بدأت القضية بتاريخ 9 أيلول/سبتمبر 2025 باختطاف روان أسعد، وهي من أبناء الطائفة العلوية، من قريتها حورات عمورين في ريف حماة، حيث تعرّضت للاغتصاب أثناء عودتها من العمل. وقد ظهرت لاحقًا في مقطع فيديو روت فيه بتفصيل ما جرى معها. وانتشر الفيديو بسرعة على منصات التواصل الاجتماعي، ليشكّل المصدر الأساسي للمعطيات، ويطلق موجة تضامن واسعة معها، إلى جانب دعوات متصاعدة للمحاسبة.
موقف رسمي
الحدث استدعى موقفًا رسميًا من وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند قبوات، التي نشرت عبر صفحتها على “فيسبوك” رسالة شددت فيها على أن القضية “ليست شخصية بل قضية مجتمع بأكمله”. ودعت إلى رفض التحريض والشحن الطائفي، والتكاتف لمواجهة أي فعل إجرامي يهدد بنات وأبناء سوريا.
وقالت قبوات:
“تواصلتُ مع ذوي روان محفوض للاطمئنان عليها، وحملت منهم رسالة أضعها أمامكم جميعاً: لنوقف التحريض والشحن الطائفي، ولنرفض شيطنة الآخر، ولنتكاتف كسوريين يدًا بيد في وجه أي فعل إجرامي يهدد بناتنا وأهلنا… إذا استُبيحت الأعراض بهذه الوحشية، فلن يكون أيٌّ من بناتنا في مأمن”.
وأضافت أنها باشرت بالتواصل مع وزارتي الداخلية والأوقاف لمتابعة التحقيق واتخاذ الإجراءات المناسبة، مؤكدة أن العدالة يجب أن تأخذ مجراها، وأن “روان ابنتنا جميعًا”.
اختطاف عنصر أمن يفتح باب التصعيد
في تطور لاحق، أقدمت مجموعة تحمل اسم “سرايا الكميت قاسم” على اختطاف عنصر أمن، وظهر مقطع مصوّر للعنصر وهو يتعرض للتعذيب، وبررت المجموعة عملية الاختطاف بأنها رد مباشر على ما تعرضت له روان. هذا المقطع زاد من تعقيد المشهد وأدخل القضية في دائرة جديدة من العنف والعنف المضاد.
مصادر خاصة من أهالي القرية أفادت لـ”داما بوست“ بأن أهالي وأقارب عنصر الأمن المختطف شنّوا هجومًا على القرية التي خُطف منها، ما أدى إلى سقوط ضحية وإصابة عدد من الأشخاص، إضافةً إلى اقتحام منازل وسرقة محال تجارية أثناء الحملة.
وأكد المصدر قائلاً: “بعد الاقتحام اضطر عدد كبير من أهالي القرية، وخصوصًا الشباب، إلى الهروب نحو الأحراش، وكنتُ أنا من بينهم، وعند عودتنا بعد تدخل قوى الأمن العام، وجدنا القرية منكوبة وتعيش حالة من الذعر الشديد.”
التوتر المتصاعد دفع وزارة الداخلية لإصدار بيان رسمي جاء فيه على لسان قائد الأمن الداخلي في محافظة حماة، العميد ملهم الشنتوت، أن وحدات الأمن تحركت “انطلاقًا من التزامها بحفظ أمن المواطنين وسلامة القرى”، بعد أن قامت مجموعة مسلحة بخطف أحد عناصر الجيش ونشر مقطع مصور لتعذيبه.
وأكد البيان أن قوات الأمن، بالتعاون مع وحدات وزارة الدفاع، أرسلت تعزيزات كبيرة إلى المنطقة، وانتشرت في محيط البلدة لضبط الأوضاع ومنع تفاقم التوتر. وأضاف الشنتوت: “القوات الأمنية لن تسمح بتهديد السلم الأهلي أو المساس بحياة المواطنين، وقيادة الأمن الداخلي تتابع التحقيقات لملاحقة جميع المتورطين في أعمال الخطف والهجوم وتقديمهم إلى القضاء لضمان محاسبتهم وفق القانون”.
تهديدات باختطاف روان واتفاق هش لتحييد المدنيين
ورغم هذه الإجراءات، قال مصدر خاص لـ”داما بوست” إن أقارب عنصر الأمن المختطف عادوا اليوم برفقة عشرات المسلحين إلى القرية، بعضهم يرتدي زيًّا عسكريًا يحمل شارات “الأمن العام”، فيما كان آخرون بلباس مدني أو عسكري وهم يحملون السلاح. وقد وصلوا في أكثر من عشر سيارات، مزودين بسلاح متوسط من نوع “23”، ووجّهوا تهديدات للمواطنين باختطاف روان نفسها واحتجازها رهينة في حال لم يتم الإفراج عن قريبهم، وتابع المصدر أن أهالي القرية اجتمعوا في الساحة واتخذوا قرارًا بمنع المسلحين من أخذ روان مهما كلّف الأمر، ونقل عن أحد وجهاء القرية، ويدعى (م.ع)، قوله: “لن نسمح لهم بأخذ أعراضنا إلا على دمائنا.”
وأضاف المصدر أن وجهاء القرية سارعوا إلى إخفاء روان في أحد المنازل حفاظًا على حياتها. وأشار إلى أنه بعد ساعات من التوتر، تدخلت قوى الأمن العام لإقناع ذوي عنصر الأمن المختطف بعقد اجتماع مع أهل القرية في مكان محايد، بهدف التوصل إلى حل يوقف التصعيد ويحفظ أرواح المدنيين.
وتواصلت “داما بوست” مع أحد وجهاء القرية لمعرفة نتائج الاجتماع، حيث قال إن اللقاء عُقد في مدينة “السقيلبية” لتجنب إثارة الذعر بين الأهالي، وبحضور قوى الأمن العام التي لعبت دور الوسيط، من دون أن تفرض رأيها على المسلحين الذين يهددون القرية.
وأوضح أن وجود كبار من أهالي القرية ساعد على التوصل إلى اتفاق يقضي بتحييد المدنيين وعدم نقل التوتر إلى سكان القرية، مقابل تعاون الأهالي مع الأمن وذوي عنصر الأمن المختطف من أجل العمل على إعادته. لكنه شدّد في الوقت نفسه على أنه “لا توجد ثقة كاملة بعدم عودة المسلحين لمهاجمة القرية مرة أخرى، نتيجة الحالة العصبية التي أبداها أقارب المخطوف، وعدم ردعهم بشكل حاسم من قبل قوى الأمن العام”.
قضية روان أسعد تحولت من جريمة فردية مروّعة إلى ملف يهدد الأمن المحلي، ويضع المجتمع والسلطات أمام امتحان صعب، وبين دعوات التكاتف ورفض العنف من جهة، وتصاعد التهديدات من جهة أخرى، يبقى مصير الفتاة والقرية مرهونًا بمدى قدرة الجميع وقوى الأمن على تغليب لغة القانون على منطق الانتقام.
اقرأ أيضاً:كلنا روان… حملة شعبية للمطالبة بالعدالة لشابة ضحية اعتداء جنسي في ريف حماة