الرواتب تتبخر أمام الدولار.. موجة غلاء تضرب السوريين في آب

لم تصمد الزيادة الأخيرة في الرواتب والأجور في سوريا أكثر من أيام معدودة أمام موجة الغلاء التي اجتاحت الأسواق خلال شهر آب 2025. ومع كل ارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، تسجل الأسعار قفزات متسارعة، لتجد معظم الأسر أن مدخولها يذوب قبل أن يغطي الحاجات الأساسية.

هل دعمت زيادة الرواتب السوريين أم أضعفت الليرة؟

يرى الخبير الاقتصادي ملهم جزماتي أن صرف الزيادة أدى إلى ضغوط تضخمية مباشرة، موضحاً أن الاستقرار السابق في سعر الصرف كان نتيجة شح السيولة النقدية بالليرة السورية، وليس نتيجة تحسّن اقتصادي فعلي.

وأضاف في تصريح لموقع “المدن” أنه مع ضخ كتلة نقدية جديدة، وغياب أي نمو في القطاعات الإنتاجية، خاصة في ظل الاعتماد الكبير على الاستيراد، تعرضت الليرة لضغط إضافي أدى إلى تراجع قيمتها.

ويؤكد جزماتي أن الطريق نحو استقرار حقيقي يمر عبر دعم القطاعات الإنتاجية وتخفيض الاستيراد، لا عبر ضخ الأموال أو رفع الرواتب دون غطاء اقتصادي.

مصرف سوريا المركزي وتحديات ضبط السوق

من جهته، يرى الدكتور مجدي جاموس، أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق، أن إجراءات مصرف سوريا المركزي الأخيرة لضبط سعر الصرف أعطت نتائج مؤقتة فقط، واصفاً إياها بأنها “إعلامية أكثر من كونها فاعلة”، إذ تستمر المضاربة خارج سيطرة المركزي في تحديد مسار الليرة.

وأضاف أن الزيادة على الرواتب لم تستند إلى إيرادات داخلية حقيقية، بل إلى مساعدات خارجية، مما زاد من هشاشة الموقف المالي وأدى إلى ارتفاع فوري في الأسعار.

توقعات قاتمة لسعر الصرف حتى نهاية 2025

بحسب جاموس، من المتوقع أن يرتفع سعر الدولار في سوريا بنسبة 65% حتى نهاية العام، في حال غياب إصلاحات اقتصادية وسياسية حقيقية، بينما لا تتجاوز احتمالات التراجع المحدود 35%.

ويحذر من أن ما يسمى “حبس السيولة” أضر بثقة المواطنين بالقطاع المصرفي السوري، مع استمرار تخزين ما يقارب 200 مليار دولار خارج البنوك، ما يزيد من صعوبة السيطرة على السوق.

أصوات من الشارع: “الزيادة ما دخلت البيت”

مواطنون في دمشق تحدثوا لـ”المدن”، مؤكدين أن الزيادة الأخيرة على الرواتب لم تُحسن معيشتهم. إحدى الموظفات قالت: “ارتفعت الأسعار خلال يومين من صرف الزيادة بنسبة تفوق 50%، وكأننا لم نقبض شيئاً”.

فيما أشار موظف آخر إلى أن ارتفاع سعر البنزين التهم كامل الزيادة قبل أن تصل إلى المصروف المنزلي. وأكد أحد التجار أن تقلبات الدولار تجبرهم على رفع الأسعار لحماية رأس المال.

الليرة السورية تحت الضغط رغم تثبيت السعر الرسمي

رغم تراجع الليرة في السوق السوداء خلال آب، يُصر مصرف سوريا المركزي على تثبيت السعر الرسمي عند حدود 11 ألف ليرة للدولار، مؤكداً أنه لن يلجأ إلى الاقتراض الخارجي، مع وعد بطرح عملة ورقية جديدة قبل نهاية العام، ضمن خطة لإعادة الثقة وتعزيز الاستقرار المالي.

وتشير تقارير دولية إلى نية حذف صفرين من العملة السورية بالتعاون مع روسيا، كجزء من برنامج لإعادة تقويم الليرة، يُتوقع إطلاقه في كانون الأول/ديسمبر 2025.

أزمة غلاء وغذاء: سوريا تواجه شبح المجاعة

بحسب برنامج الأغذية العالمي، تواجه سوريا واحدة من أسوأ أزمات الأمن الغذائي في تاريخها الحديث، بفعل الجفاف، انهيار الزراعة، وتعطّل الإمدادات. يدعم البرنامج 1.5 مليون شخص شهريًا، لكنه يعاني من عجز تمويلي يبلغ 335 مليون دولار.

وفي ظل هذا الواقع، أي زيادة في الرواتب لا تصمد أمام تكاليف المعيشة، ما يجعل التحسينات مجرد حلول مؤقتة أمام أزمات هيكلية عميقة.

هل تتكرر الحلقة؟ زيادة الرواتب انخفاض الليرة ارتفاع الأسعار

بين ضعف الليرة السورية، وتفكك القطاع الإنتاجي، وارتفاع الأسعار بلا سقف، يتخوف الخبراء من أن أي زيادة جديدة في الأجور قد تؤدي ببساطة إلى مزيد من التدهور الاقتصادي، ما لم ترافقها خطط إصلاح جذرية في البنية الإنتاجية والمالية للبلاد.

إقرأ أيضاً: الأسواق السورية: انخفاض الأسعار المستوردة يهدد الصناعة الوطنية

إقرأ أيضاً: تقلبات الصرف تشعل أسعار السلع بدمشق وارتفاع يتجاوز 15%

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.