الحل نت: سياسات الشرع المركزية تعمّق الانقسامات وتدفع سوريا نحو اللامركزية
بعد أكثر من 14 عاماً من الصراع الدموي في سوريا، وسقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، تواجه البلاد تحدياً مصيرياً بين الاستمرار في الحكم المركزي الصارم، أو الاتجاه نحو نظام لا مركزي واسع الصلاحيات يُرضي مكونات المجتمع السوري المختلفة.
الشرع يفشل في تشكيل حكومة شاملة ويفقد ثقة المكونات:
يقول موقع “الحل نت” إن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الذي وصل إلى السلطة وسط آمال بانفراج سياسي، لم ينجح حتى الآن في تشكيل حكومة تمثيلية شاملة أو إرساء توافق وطني. بل إن سياساته المركزية وتفرده بالقرار وقبضته الثقيلة على الحكم، بالإضافة إلى تعيين شخصيات مثيرة للجدل، ساهمت في تأجيج التوترات والانقسامات داخل سوريا، خصوصاً مع الأقليات الكردية والدرزية والعلوية.
ويضيف: قد تورطت الأذرع العسكرية والأمنية الميلشياوية المتطرفة التابعة للسلطة بدمشق بانتهاكات دموية بحق الأقليات، الأمر الذي يفرض بإلحاح المطالبة باللامركزية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى مزيد من التفكك.
انتقادات حادة لمؤتمر الحوار الوطني واستبعاد قوى رئيسية:
أثار مؤتمر “الحوار الوطني” الذي عقدته السلطة الانتقالية في دمشق، انتقادات واسعة بعد استبعاد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وممثلي الجنوب والساحل. وقد اعتُبر ذلك مؤشراً على غياب الإرادة الحقيقية لبناء شراكة وطنية.
ومع إصدار دستور مؤقت يمنح الشرع صلاحيات واسعة وتأجيل الانتخابات في ثلاث محافظات رئيسية (الرقة، الحسكة، السويداء) مع إمكانية اختيار الشرع لممثليها، بدا واضحاً أن نهج المركزية يتكرّس من جديد.
الخلاف بين الحكومة الانتقالية وقوات قسد: لامركزية أم اندماج قسري؟
الخلاف الأساسي بين الحكومة الانتقالية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) يتمحور حول شكل الحكم وطبيعة السلطة الأمنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا. بينما تطالب “قسد” بـ:
1- صلاحيات إدارية وأمنية كاملة
2- الاحتفاظ بهيكلها العسكري
3- إدارة محلية مستقلة
يرفض الشرع هذه الشروط، مصرًّا على إخضاع جميع المؤسسات للمركز في دمشق، ودمج مقاتلي “قسد” كأفراد داخل الجيش السوري الجديد.
ورغم توقيع اتفاق برعاية أميركية وفرنسية في مارس/آذار، لم يتم تنفيذه، بل زادت التوترات بعد إلغاء مؤتمر باريس في أغسطس، عقب تنظيم مؤتمر للأقليات في الحسكة.
تعيينات مثيرة للجدل واحتجاجات متصاعدة:
أثارت تعيينات شخصيات متهمة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة مثل:
أحمد الهايس (أبو حاتم شقرا) قيادة الفرقة 86 في “الجيش السوري الجديد”، والمسؤولة عن الرقة والحسكة ودير الزور.
محمد حسين الجاسم المعروف بـ”أبو عمشة” قائد “فصيل سليمان شاه” الموالي لتركيا، وسيف بولاد المعروف بـ”أبو بكر” قائد “فرقة الحمزة” المعروفة بـ”الحمزات”
موجة احتجاجات ورفض في مناطق “قسد”، خاصة بعد ارتكاب مجازر ضد المدنيين في الساحل والسويداء، مما زاد الهوة وانعدام الثقة بين السلطة المركزية ومكونات المجتمع السوري.
الأقليات السورية تطالب باللامركزية: خيار لا مفر منه:
على خلفية مجازر الساحل والجنوب، عقدت الأقليات مؤتمراً في الحسكة تحت عنوان “مؤتمر وحدة موقف المكونات”، بمشاركة قيادات دينية مثل الشيخ حكمت الهجري والشيخ غزال غزال، وطالبوا بوضوح بـ:
1- نظام لا مركزي واسع الصلاحيات
2- ضمانات أمنية وإدارية للأقليات
3- الاعتراف بحقوق الأكراد والدروز والعلويين في التمثيل الذاتي
وأكدت قيادات كردية أن بقاء السلاح بيد قسد هو الضمانة الوحيدة لحماية المدنيين، بينما ترفض دمشق الاعتراف بها كقوة مستقلة ضمن الجيش الجديد.
المجتمع الدولي يلمّح لتغيير الموقف: اللامركزية ليست فيدرالية:
في تطور لافت، صرّح المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس براك بأن الوقت قد حان للنظر في “بدائل للدولة المركزية الصارمة”، مؤكداً أن “الحل ليس فيدرالياً، بل نموذج مرن يحترم التنوع ويحمي المكونات”. وأضاف أن استمرار العنف والانقسامات يهدد وحدة سوريا ويقوّض جهود الإصلاح السياسي.
هل سوريا على أبواب التقسيم؟ أم بداية تحول نحو اللامركزية؟
في ضوء المعطيات السياسية والميدانية الحالية، تواجه سوريا اليوم خيارين لا ثالث لهما:
إما القبول بنظام حكم لا مركزي يشمل جميع المكونات ويمنحهم سلطات حقيقية أو الاستمرار في السياسات الإقصائية التي ستدفع نحو تفكك البلاد تحت وطأة العنف، وتكرار أخطاء العقود الماضية.
إقرأ أيضاً: الأوضاع الميدانية في سوريا تُضعف حكومة أحمد الشرع
إقرأ أيضاً: إيكونوميست: الشرع فشل في تحقيق توقعات السوريين