“النيو ليرة السورية”: خطوة لإصلاح الاقتصاد أم فوضى نقدية جديدة؟
تتجه الحكومة السورية الانتقالية نحو إطلاق عملة سورية جديدة تُعرف بـ”النيو ليرة”، في إطار خطة شاملة لإصلاح المشهد المالي وإعادة الثقة بالعملة الوطنية، بعد سنوات من الانهيار الاقتصادي والتضخم المفرط الذي أنهك البلاد منذ عام 2011.
ويأتي هذا الإعلان من مصرف سوريا المركزي في بيان رسمي، كخطوة تهدف إلى تقليل الكتلة النقدية، محاربة التضخم، وتيسير المعاملات اليومية، كجزء من برنامج إصلاحي اقتصادي شامل.
تصميم “النيو ليرة” وحذف صفرين من العملة القديمة:
أبرز ملامح الإصلاح النقدي هو حذف صفرين من القيمة الاسمية للعملة السورية، في محاولة لاحتواء التضخم وضبط السيولة المتداولة في السوق. وبحسب البيان، فإن طرح العملة الجديدة سيتم على مراحل لضمان الانتقال التدريجي وتجنب صدمات في السوق.
وأكد المصرف أن أوراق النيو ليرة السورية ستُطبع وفق أعلى معايير الأمان العالمية، لدى “مصدرين أو ثلاثة مصادر دولية موثوقة”، باستخدام تقنيات حديثة مضادة للتزوير.
لكن تقارير دولية، أبرزها من وكالة “رويترز”، أشارت إلى أن شركة “جوزناك” الروسية الحكومية ستكون من بين الجهات المسؤولة عن الطباعة، وأن طرح العملة الجديدة سيكون بتاريخ 8 ديسمبر المقبل.
طباعة العملة في روسيا: صفقة مالية خلف الكواليس؟
غياب أي نفي رسمي من المصرف المركزي يعزز من صحة المعلومات المتداولة حول تورط موسكو في طباعة النيو ليرة، ما يثير تساؤلات سياسية واقتصادية حول صفقة خفية قد تكون متعلقة بديون سوريا لروسيا، أو بالأموال السورية المجمدة في موسكو.
وفي هذا السياق، صرح أسامة القاضي، المستشار الأول في وزارة الاقتصاد السورية، أن هذه الخطوة قد تمثل جزءًا من اتفاق تسوية بين دمشق وموسكو، في ظل وجود علاقات مالية عميقة بين البلدين منذ عهد النظام السابق.
كما أشار الخبير الاقتصادي رضوان الدبس إلى أن روسيا سبق أن تولت طباعة العملة السورية سابقًا، وهو ما يُسهّل تجديد الاتفاق الحالي بدلًا من التعاون مع جهات جديدة وسط أزمة ثقة وعقوبات دولية.
مخاطر التعامل مع “جوزناك”.. وعقوبات غربية تلوح في الأفق:
إحدى أبرز المخاوف تكمن في أن شركة “جوزناك” الروسية تخضع لعقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا، على خلفية اتهامها بطباعة جوازات مزورة لمناطق أوكرانية تحت الاحتلال الروسي، وكذلك عملة ليبية “مزيفة”.
هذه السوابق تثير الشكوك حول مخاطر تزوير العملة السورية الجديدة، وتعريض الحكومة الانتقالية لعقوبات دولية إضافية، وهو ما أشار إليه الخبير السوري مالك حافظ واصفًا التعاون مع الشركة بأنه “انزلاق سياسي واقتصادي خطير”.
تحولات سياسية أم فوضى نقدية؟
فيما يعتبر البعض أن إزالة صورة بشار الأسد من العملة الجديدة هو تحول سياسي إيجابي، يحذر آخرون من عدم وضوح آليات التنفيذ وخطة الطرح التدريجي، ما قد يربك السوق ويُفقد الثقة بالعملية بأكملها.
كرم شعار، الخبير الاقتصادي، اعتبر أن التغيير النقدي ضرورة سياسية واقتصادية، لكنه شدد على أهمية وجود بنية تنظيمية شفافة لتفادي الإرباك وخاصة لدى الفئات غير الملمة بالتعاملات المصرفية، مثل كبار السن والعمال.
ما بين الأمل والريبة: هل تنجح النيو ليرة السورية؟
في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور وتدهور سعر صرف الليرة السورية، تنظر بعض الأوساط بإيجابية إلى النيو ليرة كفرصة لإنعاش الاقتصاد وإعادة هيكلة السياسة النقدية. ولكن، الشكوك حول آلية الطباعة، وخطر العقوبات، وغياب الشفافية قد يحوّلون هذه الخطوة إلى فوضى نقدية إضافية تكرس أزمة الثقة بالمؤسسات المالية السورية.
إقرأ أيضاً: النيو ليرة السورية: هل تكون طوق نجاة للاقتصاد أم مقدمة لأزمة جديدة؟
إقرأ أيضاً: تحديات اقتصادية: ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة
إقرأ أيضاً: ما معنى حذف الأصفار من العملة؟