يجسد الإمام الحسين عليه السلام كلمة الحق التي أضاءت في سماء البشرية، ومعدن الإنسـانية الفريد الذي زاد من القيم وسقاها فأنبتت وأزهرت، وأعظمها قيمة الشهادة في يوم كربلاء التي أعطت للناس وقدمت مثالاً لا يضاهى في التاريخ لقيمة العطاء بشموخ دون حساب أو مقابل.
ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام باتت تتجلى أهميتها يوماً بعد يوم، فهي قضية الحق والعدل، والكرامة الإنسانية، والجهاد في سبيل صلاح أمر الإنسان، وعدم الخضوع للذل في الحياة، جميعها مفاهيم خالدة في التاريخ لا يبلى جديدها ولا يفنى ذكرها.
الإنسانية هي رسالة الإسلام، وجميع الأديان السماوية وغير السماوية تركز على محور الإنسان، وبناء كيانه، وإصلاح شأنه، وعلى أن يكون الإنسان إنساناً بمعنى الكلمة، ولذلك إذا تخلى الإنسان عن صفات الإنسانية فإنه يخرج من الإنسانية إلى اللا إنسانية، وتؤدي اللا إنسانية إلى إهدار قيمة الإنسان وحقوقه المعنوية والمادية، والتعامل مع الناس بقسوة وطغيان، لذلك علم الإمام الحسين عليه السلام كيف تكون الإنسانية بأبهى صورها في يوم كربلاء.
ونهضة الإمام الحسين عليه السلام هي نهضة إنسانية عالمية في جميع أبعادها، فهي إنسانية في دوافعها وأسبابها ومنطلقاتها وأهدافها، وهي إنسانية في مضمونها ومحتواها ورسالتها، إلى العالم أجمع، نهضة العز والكبرياء والحفاظ على الحقائق ونبذ البوائق.
الإمام الحسين يختصر كل القيم الحضارية والإنسانية، فهو معدنها وقائدها، وهو للعالم أجمع وليس لفئة دون أخرى، ومن يتعمق في سيرة وفكرة الإمام الحسين يرى بحراً عميقاً يتسع لكل المراكب التي تطلب النجاة والخلاص من الجهل إلى المعرفة، ويشاهد الإنسان العاقل في فعله وورعه وعلمه وفقهه مصباحاً، بل شمساً من الفهم والحلم والحقيقة، ومكارم الأخلاق، لو وزعت على الناس جمعاً لكفتهم وفاضت عن حاجتهم.
شخصية الإمام الحسين عليه السلام جوهرة فريدة لا نظير لها، مليئة بالمواقف الإنسانية والتعاطي الإنساني حتى مع الخصوم، ورسالته رسالة سلام ومحبة وزهد وتقى يجب إيصالها إلى كل الناس، إلى كل إنسان في هذا العالم، كي تستنار القلوب وتشرق عليها شمس العلم التي تقلع عين الجهل، ونور الهدى الذي يرسم الطريق نحو الإيمان.
القيم الإنسانية، والأخلاقية هي ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وهي القيم التي يؤمن بها جميع البشر على هذا الكوكب، والإمام الحسين جسدها في كربلاء، وقبل كربلاء، وهو معنى لها ووعاء، ومن بحر إنسانيته وكرمه وتسامحه تنهل النفوس النبيلة في كل مكان وزمان.