هل انتهى شهر العسل بين دمشق وواشنطن؟
بعد المجازر المروعة التي اجتاحت مناطق الساحل والسويداء في الأسابيع الماضية، هل انتهى شهر العسل بين دمشق وواشنطن؟
عاد ملف العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا إلى واجهة المشهد السياسي من جديد، مع تصاعد الأصوات داخل الكونغرس الأمريكي الداعية إلى تمديد العقوبات وتوسيع دائرتها ضد الحكومة السورية الانتقالية. هذه التهديدات فتحت الباب واسعاً أمام تساؤلات محورية حول جدوى هذه السياسة، وتأثيرها الفعلي على مسار الأزمة السورية، في ظل تشابك المعادلات المحلية والإقليمية والدولية.
إقرأ أيضاً: عشائر البدو في السويداء: ما حدث يرقى إلى جرائم حرب
من مجازر إلى عقوبات: مشهد يتكرر منذ عقد
على الرغم من التبدل الظاهري في الأسماء والوجوه داخل هرم السلطة السورية، إلا أن المجازر التي ارتكبت في الساحل والسويداء أعادت إلى الأذهان مشاهد دامية من السنوات الأولى للأزمة. حكومة أحمد الشرع، التي راهن عليها البعض في الداخل والخارج كمشروع “إصلاح تدريجي”، تبدو اليوم – في نظر معارضيها – استنساخاً مكرراً لنهج أمني يرفض الاعتراف بجذور الأزمة السياسية والاجتماعية العميقة في البلاد.
أما في الجانب الأمريكي، فقد جاء الرد سريعاً ومتوقعاً: بيانات شديدة اللهجة من الخارجية الأمريكية وأعضاء نافذين في الكونغرس، تتبعها تهديدات بإجراءات عقابية إضافية، تشمل توسيع نطاق العقوبات لتطال كيانات ومؤسسات جديدة مرتبطة بحكومة الشرع.
إقرأ أيضاً: ما بعد الأسد: تصدّع في الوعي السوري واستقطاب يهدد مستقبل البلاد
جدلية العقوبات: أداة ضغط أم ذريعة لمزيد من التشدد؟
منذ بدء فرض العقوبات الاقتصادية على سوريا، دار جدل واسع حول مدى فاعلية هذه الأداة في إحداث تغيير ملموس في سلوك النظام. التجربة أظهرت أن السلطة السورية غالباً ما تنجح في التكيف مع العقوبات، عبر شبكات اقتصادية موازية، وعلاقات استراتيجية مع حلفاء دوليين كروسيا وإيران. في المقابل، كان الأثر الأعمق لهذه العقوبات ينعكس على الاقتصاد المحلي وشرائح واسعة من الشعب السوري، التي وجدت نفسها عالقة بين مطرقة السلطة وسندان الحصار الاقتصادي.
تهديدات الكونغرس الأخيرة، رغم صرامتها الخطابية، لا تبدو كافية لإحداث اختراق حقيقي في المشهد السوري، ما لم تترافق مع استراتيجية متكاملة تتجاوز منطق الضغط الاقتصادي الأُحادي إلى مقاربة سياسية أكثر تعقيداً، تشمل آليات تحفيز وتفاوض مدروسة.
إقرأ أيضاً: في السويداء، لا سلام ولا حرب: إعادة تعريف النفوذ “الإسرائيلي” داخل سوريا
حكومة أحمد الشرع في اختبار الشرعية
وُلدت حكومة أحمد الشرع وسط ضجيج إعلامي محلي ودولي، باعتبارها خطوة نحو مرحلة جديدة قد تحمل معها ملامح حل سياسي، أو على الأقل تخفيف حدة القمع والانتهاكات. إلا أن الواقع أظهر أن التغييرات الشكلية في بنية النظام لم تكن كافية لكسر حلقة العنف المتكررة. مجازر الساحل والسويداء شكلت ضربة قاسية لصورة الشرع داخلياً وخارجياً، وأثبتت – بنظر كثيرين – أن تغيير الأسماء لا يكفي لمعالجة أزمة شرعية تتعمق جذورها يوماً بعد يوم.
في هذا السياق، فإن التصعيد الأمريكي عبر العقوبات قد يمنح السلطة السورية فرصة أخرى للالتفاف داخلياً على المطالب الشعبية، عبر توظيف خطاب “المؤامرة الخارجية”، وهو خطاب أثبت فعاليته في الماضي كوسيلة لتحشيد القاعدة الصلبة للنظام في وجه الضغوط الدولية.
إقرأ أيضاً: مركز وصول يندد بالتصعيد في السويداء ويدعو لتحقيق دولي ومحاسبة الجناة
واشنطن أمام معضلة الخيارات المحدودة
الإدارة الأمريكية تجد نفسها أمام معضلة حقيقية. فمن جهة، هنالك ضغط داخلي – سياسي وإعلامي – يدعو لاتخاذ موقف صارم من انتهاكات حكومة الشرع. ومن جهة أخرى، فإن الخيارات الواقعية المتاحة تبدو محدودة للغاية. العقوبات، رغم رمزيتها، فقدت كثيراً من زخمها كورقة ضغط فعلية. أما السيناريوهات الأخرى – كالتدخل العسكري المباشر أو فرض مناطق حظر جوي – فتبدو مستبعدة في الظرف الإقليمي والدولي الراهن.
هذا الواقع يفرض على واشنطن البحث عن مقاربة جديدة، قد تشمل تكثيف العمل الدبلوماسي مع الأطراف الدولية المؤثرة في الملف السوري، وعلى رأسها روسيا، بالتوازي مع دعم مسارات العدالة الدولية وتوثيق الانتهاكات، بما يضعف شرعية حكومة الشرع في المحافل الدولية بشكل منهجي.
منطق العقوبات إلى منطق التسويات الواقعية
المرحلة المقبلة ستشهد – على الأرجح – تصعيداً متبادلاً في اللهجة بين واشنطن ودمشق، مع استمرار حالة الاستنزاف المفتوحة التي يدفع السوريون ثمنها الأكبر. لكن المعادلة قد تتغير في حال نجحت الأطراف الفاعلة في الانتقال من منطق العقوبات الأحادية إلى مقاربات تسوية واقعية، تعترف بتعقيدات الداخل السوري، وتبحث عن مسارات حل تدريجي تراعي المصالح المتشابكة إقليمياً ودولياً.
تهديدات الكونغرس بتمديد العقوبات قد تشكل ورقة ضغط مرحلية، لكنها – في غياب رؤية استراتيجية شاملة – قد تتحول إلى فخ استنزاف جديد لا يصيب سوى الشعب السوري، في حين يبقى الفاعلون السياسيون في منأى عن الحساب.
الخلاصة
ما بعد مجازر الساحل والسويداء ليس كما قبله. حكومة أحمد الشرع تواجه اختباراً حقيقياً لشرعيتها، والكونغرس الأمريكي يلوّح بعصا العقوبات كعادته. لكن التحولات العميقة تحتاج إلى أدوات ضغط تتجاوز الاقتصاد إلى فضاءات السياسة، وإلا سنكون أمام تكرار مؤلم لدروس لم يتعلم منها أحد حتى الآن.
إقرأ أيضاً: رفع العقوبات الأميركية عن سوريا.. هل ستغتنم دمشق الفرصة لإنقاذ البلاد؟
إقرأ أيضاً: دستور من رماد: كيف مهد الغياب السياسي لمجازر السويداء والساحل