من يدير اقتصاد الظل في سوريا 2025؟
اقتصاد الظل (أو الاقتصاد غير الرسمي) هو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى الأنشطة الاقتصادية التي تجري خارج نطاق القوانين والرقابة الحكومية، ولا تدخل في الحسابات الرسمية للناتج المحلي الإجمالي للدولة. ورغم أنها قد تكون أنشطة مشروعة في طبيعتها، إلا أنها لا تُسجّل أو تُنظَّم من قبل الدولة.
ويقول موقع سوريا الغد في مقال له: في سوريا، لا تُكتب الفصول الأخيرة من الحروب في الجبهات العسكرية، بل تُرسم بهدوء على طاولات المفاوضات السرية ومكاتب رجال الأعمال المعتمة، من دمشق، التي سقطت في يد المعارضة، إلى صفقات تُعقد في الظلال بين رجال محسوبين على النظام السابق وشخصيات صاعدة من قلب الفوضى، يتشكل اقتصاد جديد لا يقل غموضا عن سنوات الحرب نفسها. فهل نحن بصدد انتصار للواقعية السياسية أم ولادة لنسخة أكثر دهاءً من الفساد المنهجي؟
تقرير وكالة “رويترز” الصادر في 24 تموز 2025، يكشف عن خيوط منظومة اقتصادية جديدة تنشأ في الظل، تحت إدارة شقيق الرئيس الانتقالي، حازم الشرع، ورجل غامض يُدعى “أبو مريم”، أسترالي الجنسية ومُدرج على قوائم العقوبات الدولية، لكن السؤال الجوهري الذي هو: هل نحن أمام إعادة بناء حقيقية، أم إعادة توزيع للفساد القديم بأقنعة جديدة؟
من دولة مخصخصة إلى دولة مختطفة
في الاقتصاديات الخارجة من الحروب، يُحذّر معظم خبراء الاقتصاد من “الاستقرار الكاذب”، وذلك عبر استبدال الصراع العسكري بصراع أوليغارشي تُحتكر فيه السلطة والثروة تحت ذريعة الإصلاح، وهذا ما يحدث في سوريا، فبدلا من فتح ملفات الفساد في فترة النظام السابق أمام القضاء، يتم تفكيكها عبر صفقات خاصة تُبرم في الظل مع نفس رجال الأعمال الذين استفادوا سابقا من منظومة الريع والنهب.
اللجنة التي تقود هذه التحولات، بحسب “رويترز”، لا تعمل تحت إشراف أي مؤسسة رقابية، بل تتحرك ككيان شبه عسكري يرعى مصالحه الاقتصادية الخاصة، فتنتقل من اقتصاد مخصخص لصالح النظام إلى اقتصاد مختطف لصالح اللجنة، ما يُعيد إنتاج بنية اللاعدالة ذاتها التي مهّدت لعدم الاستقرار.
الأخ الأقوى: العائلة مجددا في صلب الدولة
يركز المحللون الاقتصاديون إلى دور “العائلة الممتدة” في هندسة الأنظمة ما بعد النزاعات، فتعيين الرئيس أحمد الشرع لشقيقه الأكبر، حازم الشرع، لقيادة ملف إعادة الهيكلة الاقتصادية لا يُمكن فهمه كخيار إداري بحت أو ناتج عن كفاءة تقنية، بل يُعبّر عن نمط متكرر في الدول الخارجة من الحرب، حيث تُستبدل المؤسسات العامة بشبكات القرابة والولاء الشخصي، فتتحول عملية التعافي من مشروع وطني تشاركي إلى بنية أسرية مغلقة، يُعاد عبرها إنتاج السلطة وتوزيع الموارد بما يضمن الهيمنة واستمرارية السيطرة.
هذا التمركز العائلي في قلب القرار الاقتصادي ليس فقط مؤشرا على ضعف مؤسسات الدولة، بل دليل على مقاومة حقيقية لأي انتقال ديمقراطي، فحين تُربط مفاصل الاقتصاد بمنظومة عائلية، تُغلق أبواب التعددية والرقابة، وتُفتح أبواب الزبائنية والتمييز في توزيع الثروة، تبدو السلطة الانتقالية في سوريا دون أي محاولات تنموية.

تحالفات مشبوهة تحت عنوان “الإصلاح”
أن يتم التعامل مع شخصيات مدرجة على لوائح العقوبات الدولية، مثل “أبو مريم”، تحت ذريعة مكافحة الفساد، يُعد تناقضا صارخا مع أبجديات الحوكمة الرشيدة، فالشخصيات التي تتولى اليوم زمام المبادرة الاقتصادية هي نفسها التي لطالما ارتبطت بأساليب النفوذ الموازي والصفقات المريبة، ما ينسف أي ادعاء بالإصلاح الجذري، وفي هذا مناخ تتحول مقاومة الفساد إلى واجهة شكلية تُستخدم لتصفية الحسابات وإعادة ترتيب المواقع، لا لمعالجة جذور المشكلة.
هذه الشخصيات، وبحسب تقرير “رويترز”، تمارس ضغوطا متكررة على رجال الأعمال عبر وسائل تُقارب الابتزاز أكثر مما تقترب من التدقيق المالي أو إعادة الهيكلة المؤسسية، هذه الممارسات تستدعي تحذيرات حول خطر “تطبيع أمراء الحرب”، أي قبول أنماط السيطرة العسكرية أو شبه العسكرية كجزء دائم من المشهد الاقتصادي، بهذا المعنى، فإن التحالف بين القوة والمصالح المالية يعيد إنتاج نموذج الدولة المنهوبة، حيث تسود القوة فوق القانون، ويُدار الاقتصاد من خلال منظومات رديفة للدولة.
منطق التسوية الذي يحكم اللجنة الاقتصادية في سوريا الجديدة، يقوم على فكرة “الصفح مقابل المال”، فمن يسلّم جزءا من ثروته للجنة، يُمنح صك غفران، وهذا النمط يُقصي العدالة الانتقالية، ويُبقي على اقتصاد الظل بتسميات جديدة.

الاستثمار الخارجي ليس دليلًا على الشفافية
ورغم الحديث عن استثمارات خليجية واعدة، فإن غياب الشفافية في البنية الاقتصادية يجعل هذه الاستثمارات أقرب إلى رافعة مرحلية لحكم غير ديمقراطي، منها إلى محرك لتعافٍ حقيقي، فالمال الذي يُضخ في بيئة غير خاضعة للرقابة لا يبني دولة، بل يعمّق التفاوت.
عمليا لا يمكن الحديث عن إصلاح اقتصادي حقيقي دون مسارات واضحة للحوكمة، واستقلال القضاء، وخلق مؤسسات تُشرف على إعادة الإعمار لا تابعة لها، ومن دون هذه العناصر، فإن ما نشهده ليس إعادة إعمار، بل إعادة تموضع لنخب السلطة في قمة الهرم الاقتصادي.
في ظل غياب الشفافية، واستبدال شبكة الولاء القديمة بأخرى جديدة، فإن الاقتصاد السوري يسير نحو تكرار مأساة ما بعد الحرب، لا تجاوزها، و غياب المساءلة بعد الحروب لا يفتح باب التنمية، بل يعيد فتح جراح الصراع، اقتصاديا هذه المرة، والحديث عن “لجنة لإعادة الهيكلة” لا يجب أن يُقرأ بوصفه مشروع إصلاح، بل كعلامة على استمرار الدولة كغنيمة، لا كمؤسسة.
إقرأ أيضاً: موانئ دبي.. هل تتحول طرطوس إلى بوابة سوريا الاقتصادية الإقليمية؟
إقرأ أيضاً: تجفيف السيولة في سوريا: بين السيطرة النقدية والانهيار الاقتصادي
إقرأ أيضاً: بين التحديات والفرص.. آفاق إعادة هيكلة الاقتصاد السوري في ظل تجربة ألمانيا التاريخية