اتفاقية تطوير المنافذ بين الحكومة السورية وموانئ دبي العالمية

داما بوست -خاص

في ظل التحديات العديدة التي تواجهها سوريا بعد سنوات من النزاع، جاء توقيع اتفاقية بين هيئة المنافذ البرية والبحرية السورية وشركة موانئ دبي العالمية بقيمة 800 مليون دولار كخطوة استراتيجية تهدف إلى تطوير البنية التحتية وتحسين قطاع النقل والتجارة.

هذا الاتفاق أثار الكثير من النقاشات بين المؤيدين الذين يرون فيه فرصة حقيقية لإعادة البناء الاقتصادي، وبين المنتقدين الذين يطرحون تساؤلات حول الشفافية، الاستقلال الاقتصادي، والآثار الاجتماعية والسياسية المحتملة. في هذا المقال، سنقدم تحليلاً ناقداً بطرح وسطي يجمع بين التقدير لمكاسب الاتفاق والتحفظات المشروعة حوله.

إقرأ أيضاً: بين التحديات والفرص.. آفاق إعادة هيكلة الاقتصاد السوري في ظل تجربة ألمانيا التاريخية

أولاً: ما الذي تحققه الاتفاقية؟

 

تعزيز البنية التحتية وتطوير المنافذ

بعد سنوات من التدهور الذي أصاب البنية التحتية في سوريا، يعكس الاتفاق استجابة حيوية لاحتياجات البلاد في تطوير الموانئ البرية والبحرية، ورفع كفاءتها لتلبية الطلب المتزايد على حركة البضائع، ما يدعم التجارة الداخلية والخارجية.

الشراكة مع موانئ دبي العالمية: الشركة المعروفة عالميًا بخبرتها في تشغيل الموانئ وتطويرها، تعد إضافة نوعية قد تسهم في تحسين إدارة المنافذ عبر اعتماد التكنولوجيا الحديثة، والأنظمة الذكية لتسهيل عمليات التخليص الجمركي، وتحسين الأمان.

 

تعزيز الاقتصاد وخلق فرص العمل

الاستثمار المالي الكبير الذي يقدر بـ800 مليون دولار قد يشكل حافزاً لتحريك الاقتصاد السوري المتعثر. تطوير المنافذ يوفر فرص عمل مباشرة في مجالات البناء، التشغيل، والصيانة، بالإضافة إلى فرص غير مباشرة في قطاعات النقل واللوجستيات.

هذا بدوره قد يسهم في تحسين الدخل وتخفيف معدلات البطالة التي تفاقمت نتيجة سنوات الأزمة، ويعزز الاستقرار الاجتماعي في المناطق المحيطة بالموانئ.

 

تحسين العلاقات الاقتصادية مع الإمارات ودول الخليج

الشراكة مع شركة إماراتية رائدة تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الاقتصادية والسياسية بين سوريا ودول الخليج تحركات نحو التقارب. هذه الاتفاقية قد تفتح الباب أمام تعاون أوسع مع دول المنطقة، بما يعزز من فرص الاستثمار والدعم الاقتصادي لسوريا.

إقرأ أيضاً: تجفيف السيولة في سوريا: بين السيطرة النقدية والانهيار الاقتصادي

ثانياً: تحديات وانتقادات جديرة بالاهتمام

 

غياب الشفافية وضرورة الإفصاح الكامل

رغم إعلان الاتفاق، لم تتوفر حتى الآن تفاصيل دقيقة وشفافة حول بنوده، آليات التنفيذ، توزيع المنافع، والضمانات المقدمة للحفاظ على السيادة الاقتصادية السورية. هذا النقص في المعلومات يثير مخاوف حول مدى الالتزام بالمعايير الحوكمة الجيدة.

عدم وجود رقابة واضحة ومشاركة مجتمعية قد يؤدي إلى استغلال الاتفاق لمصالح ضيقة على حساب المصلحة الوطنية، وهو أمر يفاقم من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية القائمة.

 

خطر التبعية الاقتصادية والتأثير على السيادة الوطنية

توقيع اتفاق مع شركة إماراتية مدعومة من حكومة خارجية يطرح تساؤلات حول مدى تأثير هذا التعاون على استقلالية القرار الاقتصادي والسياسي للحكومة السورية، خصوصاً في المنافذ الحيوية التي تعد نقطة استراتيجية للحركة التجارية والأمنية.

قد يؤدي هذا إلى نوع من التبعية الاقتصادية، حيث يصبح جزء مهم من حركة البضائع والجمركة تحت إدارة شركة أجنبية، ما يثير مخاوف من فقدان السيطرة على الموارد الحيوية وإمكانية استغلال النفوذ في المستقبل.

 

التحديات الداخلية في الإدارة والحوكمة

تعاني سوريا من ضعف في مؤسسات الحوكمة والرقابة، وانتشار الفساد في العديد من القطاعات. هذا الواقع قد يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الفوائد المرجوة من الاتفاقية، حيث يمكن أن تؤدي إلى سوء إدارة الموارد وعدم توجيه العائدات بالشكل الأمثل لخدمة الاقتصاد والمجتمع.

علاوة على ذلك، تحتاج الحكومة إلى وضع استراتيجيات واضحة لضمان توظيف الكوادر المحلية، وتوفير برامج تدريب فعالة تتناسب مع متطلبات التشغيل الحديث في المنافذ.

إقرأ أيضاً: موانئ دبي.. هل تتحول طرطوس إلى بوابة سوريا الاقتصادية الإقليمية؟

ثالثاً: كيف يمكن للحكومة أن تستفيد من الاتفاق وتواجه التحديات؟

 

تعزيز الشفافية والمساءلة

على الحكومة أن تنشر تفاصيل الاتفاق كاملة، بما يشمل الجوانب المالية، والخطط التشغيلية، وآليات الرقابة، حتى يتمكن الجمهور والجهات الرقابية من متابعة التنفيذ وضمان التزام الأطراف المعنية بالمصالح الوطنية.

 

بناء القدرات المحلية

ينبغي أن يكون أحد أهداف الاتفاق تدريب وتأهيل الكوادر السورية بحيث تكون قادرة على إدارة وتشغيل المنافذ بشكل مستقل في المستقبل، ما يقلل الاعتماد على الخبرات الأجنبية ويعزز التنمية المستدامة.

 

ضمان توزيع عادل للفوائد

يجب وضع آليات واضحة لضمان وصول العوائد إلى مختلف قطاعات المجتمع السوري، لا سيما المناطق المحيطة بالموانئ، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي.

 

الحفاظ على السيادة الوطنية

الحكومة بحاجة إلى وضع ضوابط وقوانين تحكم علاقة التعاون مع الشركة الإماراتية بحيث تحافظ على سيادتها الكاملة على المنافذ، وتضمن أن تكون القرارات الاستراتيجية في يد الدولة دون تأثير خارجي مفرط.

 

وختاماً: إن اتفاقية تطوير المنافذ بين الحكومة السورية الانتقالية وموانئ دبي العالمية تعد فرصة مهمة لسوريا للخروج من أزمتها الاقتصادية عبر تحسين البنية التحتية، تعزيز حركة التجارة، وجذب الاستثمارات. مع ذلك، فإن نجاح هذه الخطوة يعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة على معالجة التحديات التي تواجهها، وخاصة في مجال الشفافية، الحوكمة، وضمان استقلال القرار الوطني.

الطرح الوسطي يدعو إلى التفاؤل الحذر، مع التأكيد على ضرورة أن تكون هذه الاتفاقية بداية لتحول حقيقي في إدارة الموارد الوطنية، ليس فقط من أجل تحسين الاقتصاد، بل أيضاً لتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي في سوريا.

 

إقرأ أيضاً: لجنة الظل.. سوريا تعيد تشكيل اقتصادها سراً وشقيق الشرع يتولى المسؤولية

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.