تتحدث المعلومات عن حشودٍ متبادلة على ضفتي نهر الفرات بريف دير الزور، وتقول وسائل الإعلام إن الاحتلال الأمريكي ينوي فتح معركة في المنطقة مستفيداً من قوات برية مؤلفة من عدة فصائل مسلحة ذات انتماء عشائري على الأرض، وهذا الخيار وفقاً للمصادر ذاتها جاء بعد رفض “قوات سورية الديمقراطية”، الذهاب نحو هذه المعركة، لكن هل الفصائل العشائرية التي تذكر أسماؤها مثل “قوات الصناديد – مجلس دير الزور العسكري” مستقلة أساساً عن قسد؟
المحاذير الأمريكية
لا يوجد طريق للهجوم البرّي المزعوم، وبناء جسور حربية ليست عملية سهلة وتنفذ خلال دقائق، ويمكن استهداف مثل هذه الجسور أثناء بنائها بسهولة، ولم يثبت حتى اللحظة قيام واشنطن بنقل عربات جسور إلى الأراضي السورية، ثم إن عمليات “الإبرار” النهري التي توضع في حسابات هذه المعركة لن تنفذ بسهولة، هذا بفرض أن واشنطن تمتلك النية حقاً بمثل هذه العملية، فالمسألة هنا ليست عملية عسكرية ضد تنظيم إرهابي يمكن أن تحشد واشنطن لأجلها قوات مباشرة، بل هي عملية ضد دولة لها حلفاء أساسيون مثل موسكو وطهران، وإن كان الوجود الإيراني في سورية هو المستهدف كما تُشيع وسائل الإعلام المروجة لهذه العملية المفترضة، فهل ستغفل واشنطن رد فعل الحشد الشعبي العراقي ضد قواعدها في العراق، وهل ستتوقع واشنطن عدم تدخل قوات الحشد في الرد البرّي داخل سورية خاصة وأن الحشد كان شريكاً عملياتياً للجيش السوري في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي شرق سورية.
“قسد” تدرك مآلات المغامرة
حسابات قادة قوات سورية الديمقراطية لهذه المعركة ليست معقدة، الذهاب نحو مواجهة الجيش السوري لن تكون محصورة شرق الفرات، والنقاط السورية المنتشرة على خط التماس المباشر مع قوات الاحتلال التركي عامل أمان بالنسبة لقادة “قسد”، موثوق أكثر من الوعود الأمريكية التي أثبتت تجربة عفرين في العام ٢٠١٨، ومن بعدها تجربة “رأس العين – تل أبيض”، في تشرين الأول من عام ٢٠١٩، إنها وعود لا تصرف على الأرض، وبالتالي فإن “مظلوم عبدي”، ومن حوله لن يذهبوا نحو المغامرة بالأمان الذي قد ينتهي إذا ما سحبت دمشق نقاطها من الشمال السوري، بما سيفسح المجال لمغامرة تركية جديدة سيكون هدفها تفكيك “قسد”، أو دفعها لخسارات كبرى مثل مدينة “عين العرب – كوباني”، بما تمثله هذه المدينة من ثقل سياسي وإعلامي بالنسبة لـ قسد، وعلى ذلك فإن السماح للفصائل المشكلة من أبناء العشائر بالدخول بمثل هذه المعركة لن يكون قراراً يمكن لـ “عبدي”، اتخاذه.
أجواء سياسية باهتة
في الحسابات أيضاً العلاقة “الروسية – الأمريكية”، ذاتها، وإن كان هناك حديث مستمر عن خروقات لاتفاق العمل المشترك في سورية، فإن ذلك لا يعني أن أياً من الطرفين يمكن أن يذهب نحو مواجهة مباشرة في سورية، ومن جهة أخرى لا تغفل واشنطن مراعاة شركاءها في المنطقة مثل المملكة السعودية والإمارات اللتين تذهبان بقوة نحو إنهاء الأزمة السورية وتحسين العلاقات مع إيران في الوقت ذاته، وهذا يعني بالضرورة أن الولايات المتحدة لا تمتلك القدرة على تهيئة الأجواء السياسية لمثل هذه المعركة في سورية حالياً، ناهيك عن احتمالات رد الفعل الإيراني ذاته، وما هي الخطوات العسكرية التي ستتخذها إيران وحلفاؤها في المنطقة وخاصة “حزب الله”، في مثل هذه المواجهة، ومدى بُعد خارطة فلسطين المحتلة عن مثل هذه المعركة؟
انعدام وجود الأدوات الكافية على الأرض، ورفض المناخ العام في الشرق الأوسط لحرب جديدة أو توسيع الحرب في سورية، يفضي إلى أن مساحة المعركة في الشرق لن تزيد عن التقارير الإعلامية التي تتنبأ بها، دون وجود معطيات حقيقية على الأرض، فلا حشود بحجم معركة كهذه حتى اللحظة، ولا قرار حقيقي متخذ بمثل هذه المعركة، والمسألة مجرد محاولة من بعض الأطراف بخلق حدث ولو من عدم.