سوريا 2025: عام الفجوة بين الخطاب والواقع

دخلت سوريا عام 2025 وهي تعيش أخطر مراحل الانهيار المعيشي والخدمي منذ عقود، حيث لم يعد التدهور محصوراً بارتفاع الأسعار، بل تحوّل إلى تفكك شامل في منظومة الخدمات العامة. هذا العام كشف الهوة العميقة بين الخطاب الرسمي القائم على الوعود، وواقع يومي يزداد قسوة، يُجبر فيه المواطن على تأمين أبسط حقوقه خارج مؤسسات الدولة.

إقرأ أيضاً: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بعد سقوط النظام السابق

أولاً: المشهد الاقتصادي والأمن الغذائي:

شهد عام 2025 الضربة القاضية للقوة الشرائية للمواطن السوري، حيث انتقلت الطبقة المتوسطة إلى خط الفقر المدقع، والطبقة الفقيرة إلى حافة المجاعة، ومن أهم مظاهرها:

1- الفجوة بين الدخل والأسعار: استقر متوسط الرواتب الحكومية عند 600 ألف ليرة سورية، بينما قفزت تكاليف المعيشة للأسرة المكونة من خمسة أفراد إلى ما يتجاوز 12 مليون ليرة شهرياً. هذا الخلل جعل الراتب الشهري كاملاً لا يكفي لتغطية نفقات طعام الأسرة لأكثر من 48 ساعة.

2- أزمة الرغيف: خلال 2025، رفعت الحكومة الدعم عن الخبز، مما أدى لارتفاع سعره لمستويات خيالية. تراجعت جودة الرغيف المدعوم ليصبح غير صالح للاستهلاك في كثير من الأحيان.

3- تدمير الصناعة المحلية: نتيجة ارتفاع أسعار الكهرباء الصناعية، أُغلقت آلاف الورش والمنشآت الصغيرة. تحول الاقتصاد إلى اقتصاد استيرادي، مما جعل السلع المستوردة ذات الجودة المتدنية تُباع بأغلى من أسعارها العالمية.

ثانياً: انهيار القطاع الصحي:

يعتبر عام 2025 العام الأكثر قسوة طبياً، حيث تحول الحق في العلاج إلى ميزة يمتلكها الأثرياء فقط، ومن أهم مظاهر الفشل الصحي:

1- المشافي الحكومية: تعطلت معظم الأجهزة الطبية الحساسة (رنين مغناطيسي، طبقي محوري) نتيجة غياب الصيانة وقطع الغيار. المريض الذي يدخل المشفى الحكومي يُطلب منه تأمين “الشاش، المعقمات، السيرومات، وحتى الخيوط الجراحية” من الصيدليات الخاصة.

2- هجرة الكوادر والأطباء: استمر نزيف الأطباء والاختصاصيين نحو الخارج، مما أدى لإغلاق أقسام كاملة في المشافى الريفية، وتحول الضغط إلى مشافى المدن التي تعاني أصلاً من نقص في أطباء التخدير والجراحة.

3- العمليات الجراحية والدواء: ارتفعت تكاليف العمليات الجراحية في القطاع الخاص بنسبة 300%، بينما شهد الدواء المحلي زيادات سعرية متكررة تزامنت مع فقدان أصناف الأدوية المزمنة (الضغط، السكري، الأورام)، مما فتح الباب أمام الأدوية المهربة مجهولة المصدر بأسعار باهظة.

ثالثاً: قطاع الكهرباء والطاقة (وعود النور الزائفة):

كان عام 2025 عام الخيبة الكبرى فيما يخص الوعود الحكومية بتحسن الطاقة، والذي تجلى بما يلي:

1- فشل الوعود: بدأت السنة بوعود عن “انفراجات كبرى” نتيجة اتفاقيات طاقة بديلة وربط إقليمي، لكن المحصلة كانت انخفاض ساعات الوصل لتصل في ذروة الصيف والشتاء إلى ساعة واحدة كل 24 ساعة في معظم المحافظات.

2- شرعنة “الأمبيرات”: بدلاً من إصلاح الشبكة العامة، قامت الحكومة بشرعنة قطاع “الأمبيرات” والمولدات الخاصة التي يملكها مستثمرون مقربون من السلطة، بأسعار أسبوعية تتجاوز نصف راتب الموظف، مما جعل الإنارة والكهرباء سلعة لمن يملك المال فقط.

3- أزمة المياه: أدى انقطاع الكهرباء المستمر إلى توقف مضخات المياه، مما جعل أحياء كاملة تعيش حالة عطش مستمر، واضطر السكان لشراء المياه من صهاريج جوالة غير مراقبة صحياً وبأسعار استنزافية.

رابعاً: قطاع الاتصالات والإنترنت (العزلة الرقمية):

تحول قطاع الاتصالات في 2025 إلى وسيلة جباية إضافية بدلاً من كونه قطاعاً خدمياً.

1- ضعف الشبكة: أصبحت التغطية الهاتفية والإنترنت مرتبطة بساعات وصل الكهرباء؛ فبمجرد انقطاع التيار، تخرج الأبراج عن الخدمة نتيجة تعطل البطاريات ونقص المازوت للمولدات.

2- الأسعار والضرائب: رُفعت أسعار الباقات والاتصالات ثلاث مرات خلال العام، مما جعل سوريا من أغلى الدول في تكاليف الاتصالات، ومن أسوأها جودة.

3- فشل التحول الرقمي: الوعود بالدفع الإلكتروني والخدمات الرقمية اصطدمت بواقع انقطاع الإنترنت، مما زاد من تعقيد المعاملات الورقية وتراكم الطوابير أمام مراكز الخدمة.

خامساً: انهيار التعليم (جيل تحت مقصلة الفقر):

لم يسلم قطاع التعليم من التآكل، حيث انعكست الأوضاع المعيشية على جودة ومستقبل الأجيال.

1- تآكل الكادر التدريسي: استقالات جماعية للمعلمين بسبب تدني الرواتب التي لا تغطي حتى أجور المواصلات إلى المدارس، مما أدى للاستعانة بكوادر غير مؤهلة.

2- التسرب المدرسي: شهد عام 2025 قفزة في معدلات تسرب الأطفال من التعليم الأساسي للتوجه إلى سوق العمل لمساعدة عائلاتهم في تأمين ثمن الخبز.

3- التكاليف التعليمية: أصبحت المستلزمات المدرسية من قرطاسية ولباس عائقاً، مع غياب تام للتدفئة والوسائل التعليمية داخل الصفوف المكتظة.

سادساً: قطاع النقل (شلل الحركة اليومية):

تحولت المواصلات في 2025 إلى معضلة يومية تستنزف طاقة المواطن وماله.

1- أزمة الباصات العامة والخاصة: تضاعفت أجور النقل العام ثلاثة أضعاف، بسبب قرارات رفع الدعم عن النقل العام.

2- تضخم أجور النقل الخاص: ارتفعت أجور النقل الخاص (التاكسي) لتصبح تعادل راتب يوم كامل للموظف مقابل رحلة واحدة، مما جعل المشي لمسافات طويلة هو السمة الغالبة لشوارع المدن السورية في 2025.

سابعاً: قطاع البيئة والخدمات البلدية (التلوث البصري والصحي):

في عام 2025، وصل الإهمال الخدمي في شوارع المدن والبلدات السورية إلى مستويات كارثية، مما أدى إلى نشوء أزمات بيئية وصحية طويلة الأمد تهدد حياة السكان.

انهيار منظومة الصرف الصحي:

تهالك الشبكات: تعاني شبكات الصرف الصحي من اهتراء كامل نتيجة غياب الصيانة الدورية منذ سنوات، حيث سجلت العديد من المناطق حالات انفجار في خطوط الصرف الرئيسية واختلاطها بشبكات مياه الشرب، مما تسبب بانتشار أمراض (التهاب الكبد الوبائي، الكوليرا، والتيفوئيد).

فيضانات الشوارع: مع أقل هطول مطري، تتحول الشوارع إلى مستنقعات من المياه الآسنة نتيجة انسداد المصارف، مما يعيق حركة المشاة والسيارات وينشر الروائح الكريهة التي تخنق الأحياء السكنية.

الأخطار الهيكلية: تسرب مياه الصرف الصحي تحت الأبنية السكنية (خاصة في مناطق المخالفات) أدى إلى تصدعات خطيرة في بنية العقارات، مما جعلها مهددة بالانهيار فوق رؤوس ساكنيها.

تكدس النفايات:

شلل آليات النظافة: تعطلت معظم سيارات القمامة التابعة للبلديات نتيجة نقص قطع الغيار وغلاء المحروقات فأصبحت الحاويات تفيض بمحتوياتها لأيام وأسابيع دون إفراغ.

تحول الشوارع لمكبات عشوائية: اضطر السكان في العديد من الأحياء لرمي القمامة في زوايا الشوارع أو الأراضي الخالية، مما حولها إلى بؤر لانتشار الروائح الكريهة والحشرات والقوارض (الجرذان) التي بدأت تهاجم المنازل.

ظاهرة النبش والحرق: انتشرت ظاهرة “نباشي القمامة” بشكل مخيف نتيجة الفقر، مما يساهم في تبعثر النفايات وتلويث الشوارع أكثر. كما يلجأ البعض لحرق القمامة للتخلص من تراكمها، مما يتسبب بانبعاث غازات سامة تؤدي لزيادة حالات الربو والأمراض التنفسية بين الأطفال وكبار السن.

انتشار الكلاب الضالة والأوبئة:

أدى تكدس النفايات إلى زيادة مرعبة في أعداد الكلاب الضالة وسط الأحياء السكنية، مما تسبب بتسجيل مئات حالات العض وداء الكلب في عام 2025، في ظل نقص حاد في اللقاحات والمصل المضاد داخل المشافي الحكومية.

أصبحت “اللشمانيا” (حبة السنة) مرضاً مستوطناً في العديد من المحافظات نتيجة انتشار “ذبابة الرمل” التي تجد في القمامة والصرف الصحي بيئة مثالية للتكاثر.

حين تحوّلت الحقوق إلى سلع:

إن عام 2025 في سوريا يوثق حالة “الدولة العاجزة خدمياً”، حيث تم استبدال الخدمات العامة بقطاعات خاصة يديرها تجار الأزمات. المواطن السوري اليوم لا يواجه فقط غلاء الأسعار، بل يواجه منظومة خدمات متهالكة تتطلب منه دفع “ثمن كل شيء مرتين”: مرة كضرائب ورسوم للدولة، ومرة أخرى للسوق السوداء للحصول على (الخبز، الماء، الكهرباء، والطبابة).

إقرأ أيضاً: سوريا 2025: عندما يتحوّل الخطاب الطائفي إلى جمر تحت الرماد

إقرأ أيضاً: كيف أضاع تفكيك الجيش بوصلة الأمن في سوريا خلال 2025؟

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.