الحل نت: كيف استحوذ “الشرع” على بوابة سوريا المالية والحدودية؟

شهدت الساحة السورية تحولًا إداريًا واقتصاديًا لافتًا بعد الإعلان عن إنشاء “الهيئة العامة للمنافذ والجمارك” وربطها مباشرة بالرئيس الانتقالي أحمد الشرع، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تحول جوهري يعزز مركزية القرار الاقتصادي ويعيد رسم خارطة النفوذ داخل مؤسسات الدولة.

وجاء هذا التطور بموجب المرسوم رقم (264) لعام 2025 الصادر عن رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، والذي نصّ على تعيين قتيبة أحمد بدوي رئيسًا للهيئة بمرتبة وزير، مانحًا المؤسسة الجديدة استقلالية مالية وإدارية كاملة، ومقرًا رئيسيًا في دمشق.

تعزيز النفوذ الاقتصادي وتوسّع السلطة المركزية:

اعتبر محللون أن استقلال الهيئة وربطها بالرئاسة يشكّل خطوة استراتيجية تهدف إلى السيطرة على المنافذ الجمركية والمعابر الحدودية، وهي الركن الأهم في إدارة التجارة وحركة الصادرات والواردات، وفق ما ذكر موقع “الحل نت”.

فالتحكم بهذه المنافذ يعني عمليًا التحكم في العوائد المالية والرسوم الجمركية، ما يجعل القرار الجديد جزءًا من مسار مركزة النفوذ الاقتصادي في يد السلطة التنفيذية، بعيدًا عن أي رقابة حكومية أو برلمانية محتملة.

كما يرى آخرون أن تأسيس الهيئة بشكل مستقل عن الوزارات والرقابة البرلمانية يعكس توجهًا نحو بناء مركز قوة اقتصادي جديد يخدم السلطة الانتقالية ويمنحها قدرة أكبر على إدارة الموارد.

وأشار بعض المتفاعلون مع القرار إلى أن منح “الهيئة العامة للمنافذ والجمارك” هذا الاستقلال الإداري والمالي والارتباط المباشر بالرئاسة هو بمثابة نقلة نوعية تتيح للرئيس الانتقالي بناء نفوذ طويل الأمد، بالاستحواذ على بوابة البلاد المالية والحدودية.

هذا وتعد المنافذ والجمارك الشريان الحيوي للاقتصاد والتجارة، والسيطرة عليها تعني عمليًا التحكم في حركة الأموال والواردات والصادرات، مما يوفر أداة قوية لفرض الرقابة الاقتصادية وتعزيز النفوذ السياسي، لذا رأى البعض أن هذا القرار لا يتعلق فقط بآليات الإدارة والضبط، بل هو محاولة صريحة لمركزة الثروة وبناء قاعدة اقتصادية صلبة للسلطة الجديدة.

تعيين قتيبة بدوي… بين الخبرة والجدل:

إسناد رئاسة الهيئة إلى قتيبة أحمد بدوي أثار موجة واسعة من الجدل، بسبب خلفيته المرتبطة بإدارة الملفات الاقتصادية والأمنية داخل إدلب، حيث برز كأحد الأسماء الفاعلة في هيئة تحرير الشام، خصوصًا في إدارة المعابر مثل معبر باب الهوى، ما أكسبه نفوذًا اقتصاديًا بارزًا ولقب “حوت الاقتصاد” في المنطقة.

كما لعب شقيقه حذيفة البدوي (أبو حفص بنّش) دورًا أمنيًا مهمًا داخل الهيئة، ما عزز شبكة النفوذ التي يُعتقد أنها تمتّعت بسلطة غير رسمية على قطاعات اقتصادية حساسة خلال السنوات الماضية.

هذه الخلفيات فتحت الباب أمام تساؤلات حول تأثير تعيينه على مستقبل الاقتصاد السوري، وسط مخاوف من انتقال النفوذ من جهة إلى أخرى بدلًا من بناء مؤسسات دولة خاضعة للمساءلة.

مخاوف من إعادة إنتاج منظومة النفوذ:

يرى منتقدون أن القرار الجديد قد يكون خطوة نحو إعادة إنتاج أنماط الحكم السابقة عبر بناء دائرة ضيقة من الولاءات، وربط هيئة سيادية بشخص واحد دون وجود آليات رقابية فعلية.

ويتخوف البعض من أن يتحول هذا التعيين إلى نسخة جديدة مما كان يُعرف بـمركزة السلطة في قمة الهرم الإداري، بحيث تُدار المؤسسات الكبرى بعيدًا عن الشفافية والمحاسبة.

كما أشارت تعليقات شعبية إلى أن نقل السيطرة على المنافذ من “نفوذ الساحل” إلى “نفوذ إدلب” لا يغيّر من جوهر الأزمة، بل يعيد إنتاج منظومات الاحتكار نفسها بأسماء جديدة.

بينما عبر بعض المعلقين عن خشيتهم من أن يتحول هذا التعيين إلى نسخة معدلة للنظام السابق، حيث تُختزل الدولة في شخص واحد تُربط به الوزارات والمؤسسات، ويتكرر مشهد “سوريا المزرعة” لكن بأسماء مختلفة.

إصلاح اقتصادي أم تعزيز للسلطة؟

رغم وجود حاجة فعلية إلى إعادة هيكلة المنافذ والمعابر وتنظيم الإيرادات، إلا أن حصر هذه السلطات بيد شخصية مثيرة للجدل تنتمي إلى فصيل مسلح سابق أثار أسئلة حول:

1- مدى قدرة الحكومة الانتقالية على بناء مؤسسات دولة حقيقية

2- مستقبل الشفافية في إدارة الموارد الجمركية

3- حدود الرقابة على الهيئة الجديدة

4- التأثير المحتمل على الاقتصاد في ظل غياب آليات المساءلة:

وتبقى الإشكالية الأساسية أن توسّع صلاحيات الهيئة في ظل استقلاليتها وعدم خضوعها لجهات رقابية واضحة يجعل مستقبلها مفتوحًا بين طريقين: إمّا خطوة إصلاحية حقيقية، وإمّا مركز نفوذ جديد يعيد إنتاج المشهد ذاته الذي عانى منه السوريون لعقود.

إقرأ أيضاً: إيكاردا و الغرامات المالية في قبضة الشيباني.. القانون السوري في مهب الهيئة السياسية

إقرأ أيضاً: سادكوب تحت المجهر: محاولة استحواذ من كيان مشبوه تفضح الترهل الإداري في قطاع الطاقة السوري

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.