التموضع الروسي الجديد في سوريا: قراءة في تداعيات العودة وتعقيدات المشهد السياسي

تتزايد المؤشرات في الفترة الأخيرة حول تحركات روسية لإعادة التموضع داخل سوريا، وسط تقارير تتحدث عن رغبة موسكو في تعزيز وجودها العسكري جنوب البلاد. ويبرز في هذا السياق ما نشره موقع ذا كرادل بشأن اعتزام روسيا إنشاء تسعة مواقع عسكرية جديدة في محافظة القنيطرة قرب الحدود مع إسرائيل، الأمر الذي يعيد طرح أسئلة جوهرية حول مستقبل النفوذ الروسي ودوره في إعادة تشكيل الخريطة السياسية السورية.

هذا الاتجاه يعكس وفق محللين استمرار استراتيجية إدارة الأزمة التي تتبعها موسكو منذ تدخلها العسكري في سوريا، بدل البحث عن حلول سياسية مستدامة، ما يثير مخاوف من عودة البلاد إلى حالة الاستقطاب الجيوسياسي وتباطؤ مسارات الانفتاح الاقتصادي.

أبعاد عودة روسيا إلى الجنوب السوري:

ترى قراءات متعددة أن التحركات الروسية في الجنوب تتجاوز الاعتبارات العسكرية البحتة، إذ تسعى موسكو إلى إعادة تثبيت نفوذها في أعقاب المتغيرات الإقليمية والدولية التي رافقت المرحلة الانتقالية في دمشق.

تهدف روسيا إلى الحفاظ على قواعدها الاستراتيجية في طرطوس وحميميم لتعزيز حضورها في البحر المتوسط وإفريقيا.

تشير مصادر “ذا كرادل” إلى غياب الجانب التركي عن الوفد الروسي الذي زار الجنوب، رغم سابق الحديث عن تنسيق ثلاثي. هذا الغياب يعكس رغبة موسكو في احتكار ملف الجنوب وإدارته مباشرة مع دمشق بعيدًا عن أنقرة.

يعكس التمركز قرب مناطق التماس مع “إسرائيل” محاولة روسية للحصول على ورقة ضغط تفاوضية تؤمن لموسكو دورًا محوريًا في أي ترتيبات إقليمية قادمة.

يعتبر هذا التحرك جزءًا من سياسة “منع الفراغ” عبر تثبيت وجود روسي يحول دون تمدد قوى محلية أو إقليمية داخل المناطق الحساسة.

هذه الاستراتيجية تُعيد تكريس النظرة الروسية لسوريا باعتبارها ساحة نفوذ دولي أكثر من كونها دولة ذات سيادة كاملة.

تداعيات إعادة التموضع الروسي على المسار السياسي والاقتصادي:

يرى منتقدون أن العودة الروسية إلى سوريا اليوم تحمل مخاطر كبيرة على الاستقرار الداخلي، خصوصًا أن سنوات الوجود الروسي السابقة خلال عهد النظام السابق ارتبطت في الذاكرة السورية بتصعيد العمليات العسكرية ودمار واسع النطاق وتراجع اقتصادي حاد.

وفي حال رغبت الحكومة الانتقالية في دمشق بإطلاق مسار لإعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد، فإن استمرار الاعتماد على موسكو قد يعرّض البلاد إلى:

1- توتر مع الغرب بسبب العزلة الدولية التي تواجهها روسيا منذ حرب أوكرانيا.

2- احتمال عودة العقوبات الغربية في حال تعمّق الارتباط العسكري بين دمشق وموسكو.

3- فقدان فرص الانفتاح السياسي والاقتصادي الذي بدأت ملامحه بالظهور خلال المرحلة الانتقالية.

كما تخشى أطراف محلية من أن يؤدي تعزيز الوجود الروسي إلى إعادة تدوير منظومة النفوذ التي سادت خلال العقد الماضي، بدل بناء بيئة آمنة واستقرار سياسي.

انعكاسات جيوسياسية داخليًا وخارجيًا:

التحالف مع موسكو التي تواجه عزلة دولية يجعل سوريا معرضة لصدامات متزايدة مع مصالح واشنطن والاتحاد الأوروبي، خاصة أن روسيا تعمل غالبًا من خلال ملفات نفوذ وقوة لا من خلال شراكات متوازنة، وفق توصيف محللين دوليين.

ومع احتمالات بدء إعادة الانتشار الروسي في الجنوب خلال الأسابيع المقبلة، تُطرح تساؤلات حول:

1- قدرة سوريا على الخروج من الإرث العسكري السابق.

2- تأثير استمرار الوجود الروسي على الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع.

3- مدى إمكانية تحقيق حل سياسي شامل في ظل بقاء مراكز القوى القديمة.

ويرى مراقبون أن عودة روسيا إلى المشهد الأمني قد تُؤدي إلى تكريس انقسام داخلي وعرقلة أي تغييرات جذرية باتجاه بناء دولة مستقرة وذات سيادة.

هل يمكن لسوريا تجاوز إرث النفوذ الروسي؟

تشير القراءات إلى أن استمرار التموضع الروسي سواء في الجنوب أو الساحل أو مناطق أخرى يعني بقاء حالة الجمود السياسي، وغياب فرص تعافٍ اقتصادي حقيقي.

كما أن القطيعة مع موسكو تُعد وفق هذا التحليل خطوة أساسية أمام الحكومة الانتقالية إذا أرادت:

1- خلق مناخ سياسي مستقر

2- إنهاء عقود النفوذ العسكري الخارجي

3- تحقيق انفتاح دولي يدعم إعادة الإعمار

وبذلك يبقى مستقبل سوريا مرهونًا بقدرتها على فك الارتباط عن شبكات النفوذ القديمة، وإعادة بناء الدولة وفق رؤية جديدة تُقدّم المصلحة الوطنية على حساب الحسابات الجيوسياسية.

إقرأ أيضاً: روسيا تقترح إعادة تسيير دورياتها العسكرية في جنوب سوريا

إقرأ أيضاً: ذا كريدل: روسيا تعيد تموضع قواتها في الجنوب السوري عبر 9 مواقع قرب الجولان

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.