الجدل حول عودة السوريين إلى ألمانيا: بين القلق السياسي والواقع المعيشي
يتصاعد النقاش السياسي في ألمانيا حول عودة اللاجئين السوريين، ما يخلق حالة من القلق العميق وعدم اليقين لدى الجالية السورية، ويصل تأثيره السلبي إلى الأطفال في المدارس.
يجد السوريون أنفسهم أمام أسئلة مصيرية حول مستقبلهم واندماجهم، في ظل تضارب الخطاب السياسي مع الواقع الميداني الصعب في سوريا.
تأثير الجدل على الأطفال ومخاوف الجالية
أكدت المحامية الألمانية السورية نهلة عثمان، نائبة رئيسة جمعية الجمعيات الألمانية السورية لتقديم المساعدة، أن النقاش حول العودة وصل إلى الأطفال، حيث أصبحوا يسألون آباءهم: “هل سنعود الآن إلى سوريا؟”
التأثير المدرسي: أفاد الآباء بأن الجدل السياسي انتقل إلى ساحات المدارس، حيث يتعرض بعض الأطفال لعبارات مثل: “أنت من سوريا؟ عد إلى بلدك”.
الخوف والتخفي: نتيجة لذلك، أصبح العديد من الأطفال لا يجرؤون على التحدث باللغة العربية.
الدعم المقابل: أشارت عثمان إلى وجود دعم من الجيران والمبادرات التي تؤكد للسوريين أنهم “جزء من ألمانيا”.
مطالب سياسية بالعودة ومخاطر فقدان وضع الحماية
بعد فترة من سقوط نظام الأسد، يطالب بعض السياسيين الألمان، مثل رئيس كتلة الاتحاد المسيحي الديمقراطي ينس شبان، السوريين بمغادرة ألمانيا للمساعدة في إعادة بناء بلدهم، واصفًا ذلك بأنه “واجب وطني”.
- خطر السفر الاستطلاعي: لكن المفارقة هي أن السوريين الذين يرغبون في تكوين صورة شخصية عن الوضع في سوريا يواجهون خطر فقدان وضعهم كلاجئين.
- رفض الزيارات: وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبرينت يرفض السماح بـ “رحلات استطلاعية”، مشيرًا إلى إمكانية الحصول على المعلومات عبر الهواتف الذكية.
- انتقاد القرار: تنتقد نهلة عثمان هذا الموقف، مؤكدة أن قرار العودة، خاصة مع الأطفال أو كشخص مريض، لا يمكن اتخاذه “من خلال مكالمة هاتفية مع الأقارب”، وتطالب بالتركيز على محادثات العودة الطوعية طويلة الأمد.
الأرقام والواقع: لماذا يتردد السوريون في العودة؟
وفقًا لـ “منتدى خدمة الإعلام حول الاندماج”، يعيش حوالي 948,000 مواطن سوري في ألمانيا، منهم 667,000 يحملون تصريح إقامة مؤقت.
وطبقًا للمعلومات الحكومية، فإن عدد السوريين المطالبين بالمغادرة لا يتجاوز 10,700 شخص (ما يزيد قليلًا عن 1%).
برنامج الدعم الطوعي: رغم وجود برنامج دعم للعودة الطوعية يشمل تكاليف السفر والمساعدة المالية، لم يستفد منه سوى 2900 شخص حتى الآن.
البناء ثم الانقطاع: تشير باحثة شؤون الهجرة نورا رجب إلى أن السوريين “استثمروا الكثير من الوقت والموارد” في بناء حياة جديدة في ألمانيا، وأن العودة تعني “انقطاعًا آخر في سيرتهم الذاتية”.
صعوبات العودة: تؤكد رجب أن الوضع في سوريا لا يسمح بالبدء من حيث توقفوا، مع استمرار صعوبة الوضع الاقتصادي واحتمال دمار المنازل واستمرار أعمال العنف.
التركيبة السكانية ودور المجتمع المدني
جيل نشأ في ألمانيا: تشدد نورا رجب على أن أكثر من ثلث السوريين في ألمانيا هم من الأطفال والشباب دون سن 18 عامًا، ما يعني وجود “جيل كامل نشأ وترعرع في ألمانيا”.
المجتمع المدني النشط: أشارت الباحثة كارولين بوب إلى أن المجتمع المدني السوري في ألمانيا نشط ولديه “رغبة قوية في المشاركة”، محذرة من أن الجدل السياسي يهدد بـ إثارة استياء هؤلاء المشاركين.
الشعور بعدم الانتماء: ترى بوب أن الخطاب السياسي يسبب الكثير من عدم اليقين، ويُغذي شعورًا بأنه “مهما بذلت من جهد فلن تنتمي أبداً بشكل كامل حتى مع حصولك على جواز سفر ألماني”.
التجنيس كأداة لدعم العودة على المدى الطويل
على النقيض من الاتجاهات السياسية الحالية التي تسعى لجعل التجنيس أصعب، تطالب كارولين بوب بإعادة التفكير في هذا الملف.
التجنيس الآمن: ترى بوب أن التجنيس هو أقوى أداة لتمكين العودة إلى سوريا على المدى الطويل.
تمكين المشاركة: إن وضع الإقامة الآمن أو الحصول على الجنسية المزدوجة يمكن أن يكون عنصرًا مهمًا لتمكين السكان المنفيين من المشاركة مرة أخرى في بلدهم الذي يشهد تغيرات جذرية، مؤكدة: “هناك صلة مباشرة بين التجنيس والعودة”، وهو ما لا يراه السياسيون.
اقرأ أيضاً:ألمانيا تتريث في علاقتها مع دمشق بعد سقوط الأسد: تراجع الحماس وعودة مشروطة للتعاون
اقرأ أيضاً:الأمم المتحدة تحذّر ألمانيا: الوضع في سوريا لا يزال هشًا