من “دمشق المناطق المنزوعة السلاح” إلى تبرئة جمال باشا السفّاح… السلطة الانتقالية تغيّر هوية سوريا

داما بوست -خاص

أثار ناشطون سوريون جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تداولهم صورة تُظهر توصيفاً مثيراً للدهشة لمدينة دمشق، جاء فيه: “دمشق – المناطق المنزوعة السلاح بين إسرائيل وسوريا”

وقال الناشطون إن هذا التوصيف ظهر لدى أحد السوريين أثناء محاولته استكمال معاملات رسمية في دولة أجنبية (لم تُذكر بالاسم)، حين حاول إدخال اسم مدينة دمشق ضمن نموذج إلكتروني رسمي يخص معاملة للتأمين الصحي لكبار السن، ليُفاجأ بأن دمشق ليست مدرجة كجزء من الجمهورية العربية السورية، بل ضمن “منطقة منزوعة السلاح”.

وبحسب رواية الناشطين، فإن الموظف المسؤول في تلك الدولة طلب من المواطن السوري مراجعة “القائمة الجديدة للدول والمناطق”، ليكتشف أن دمشق موصوفة بالفعل بهذه الصيغة الغريبة والمثيرة للريبة.

هل الاتفاق مع “إسرائيل” وصل إلى دمشق؟

إن صحّت هذه المعلومات، فإن توصيف دمشق بهذه الطريقة يعيد إلى الواجهة التسريبات الأخيرة حول الاتفاق الأمني الذي كانت السلطة السورية الانتقالية تتفاوض بشأنه مع “إسرائيل”، والذي قيل إنه يشمل المناطق الجنوبية: القنيطرة، درعا، السويداء، وربما يمتد حتى جنوب غرب العاصمة دمشق.

لكن إدراج دمشق نفسها ضمن “المناطق المنزوعة السلاح” – حتى وإن كان خطأ تقنياً – يشير إلى تحول رمزي خطير في النظرة الدولية إلى الجغرافيا السورية، وكأن العاصمة التاريخية أصبحت تُعامل كمنطقة نفوذ خاضعة لتفاهمات أمنية لا لسيادة وطنية.

هوية تتبدّل ومناهج تُعاد كتابتها:

تتزامن هذه الحادثة مع موجة جدل أوسع حول المنهاج الدراسي الجديد الذي أقرّته السلطة الانتقالية، حيث تداول ناشطون مقتطفات من كتب التاريخ، تضمنت تغييرات تزيف الذاكرة الوطنية.

ومن بين أبرز ما أُثير من تعديلات:

تبرئة جمال باشا السفّاح من مجازر أيار التي راح ضحيتها نخبة من شهداء النهضة العربية، ووصفهم بأنهم “متآمرون مع الإنكليز والفرنسيين ضد الدولة العثمانية”.

اتهام الجيش السوري السابق بالمشاركة في مجازر صبرا وشاتيلا بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، في تجاهل صارخ للحقائق التاريخية المثبتة دولياً، والتي تُحمّل الميليشيات اللبنانية الموالية لـ “إسرائيل” مسؤولية تنفيذ المجزرة.

هذه التعديلات، بحسب محللين تربويين، تمثل محاولة لإعادة كتابة التاريخ السوري بما يتماشى مع التوجهات السياسية للسلطة الانتقالية، وتكشف عن توجه خطير يهدف إلى إعادة صياغة الهوية الوطنية بما يخدم المصالح الخارجية التي أوصلت هذه السلطة إلى الحكم.

دمشق التاريخ… تُفرّغ من معناها:

إن توصيف دمشق – أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ – بأنها “منطقة منزوعة السلاح”، يتجاوز البعد الإداري أو الدبلوماسي، فهو يعبّر عن نزعة سياسية لسلخ المدينة عن عمقها الوطني والرمزي، وتحويلها إلى مساحة رمادية لا تنتمي بالكامل إلى أي جهة، وكأنها عاصمة مؤقتة لدولة بلا سيادة.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة، سواء أكانت نتيجة خطأ فني أم انعكاساً لتفاهمات أمنية جديدة، فإنها تمثل مؤشراً مقلقاً على حجم التنازلات التي تقدمها السلطة الانتقالية في سبيل ضمان بقائها، حتى لو كان الثمن هو تفكيك الرموز التاريخية لسوريا وتذويبها في سردية جديدة تُكتب على مقاس الخارج.

من الثورة إلى إعادة كتابة التاريخ:

حين انطلقت الثورة السورية، كان شعارها “الحرية والكرامة”، لكن المسار الذي وصلت إليه الأمور اليوم يطرح تساؤلات قاسية: هل قامت الثورة لتُغيّر وجه النظام، أم لتُغيّر وجه التاريخ نفسه؟

ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن تبني السلطة الانتقالية دولة مؤسسات تحترم الذاكرة الوطنية، نرى جهوداً لتلميع وجوه الاستبداد العثماني، وتبرير التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، وتشويه تاريخ سوريا.

هوية تُباع على طاولة المصالح:

يبدو أن التاريخ في سوريا يُعاد كتابته الآن، لا على يد المؤرخين، بل على يد السياسيين.
وإذا استمر هذا المسار، فقد يأتي يوم يقرأ فيه أطفال سوريا أن “دمشق كانت يوماً عاصمة” — قبل أن تتحول إلى منطقة منزوعة الهوية، لا السلاح فقط.

إقرأ أيضاً: متآمرون لا شهداء: المناهج السورية الجديدة تُشعل الجدل بعد تغيير توصيف شهداء السادس من أيار

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.