سباق جديد فوق الجغرافيا السورية:
تتقاطع المشاريع الإقليمية مجدداً فوق الأرض السورية، حيث تتسابق كل من تركيا و”إسرائيل” على تثبيت مناطق نفوذ جديدة، في مشهد يعيد طرح سؤال السيادة السورية وخرائطها المتبدّلة.
فبينما تعمل أنقرة على إحياء اتفاقية أضنة الموقّعة مع دمشق عام 1998 بصيغة موسّعة تسمح لها بالتوغل العسكري حتى عمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، تسعى “تل أبيب” من جانبها إلى إرساء منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، بالإضافة إلى استمرار وجودها العسكري في المناطق التي احتلتها بعد سقوط نظام الرئيس السابق الأسد.
أنقرة تُحيي “اتفاق أضنة” بصيغة جديدة:
بحسب ما أوردته وسائل إعلام تركية، فقد طرحت أنقرة مقترحاً لتعديل اتفاقية أضنة، بما يتيح لقواتها التحرك بعمق 30 كلم في عمق الأراضي السورية تحت ذريعة حماية أمنها من “التهديد الكردي”.
ويهدف المقترح التركي، وفق تسريبات دبلوماسية، إلى ربط هذا التوسيع بحزمة تعاون عسكري مباشر مع دمشق، تشمل تزويد الجيش السوري بمعدات عسكرية متطورة — من مدرعات ومسيّرات ومدفعية وصواريخ، وصولاً إلى أنظمة دفاع جوي، على أن تُنشر في الشمال تفادياً لأي احتكاك مع “إسرائيل” جنوب البلاد.
هذه الخطوة، إن تمت، ستشكّل تحوّلاً جذرياً في قواعد الاشتباك على الحدود السورية – التركية، وستعيد رسم العلاقة الأمنية بين الطرفين.
“اتفاق أضنة”.. من ورقة ضغط إلى جسر تفاهم:
وُقّع اتفاق أضنة في 20 تشرين الأول/أكتوبر 1998 بعد أزمة كادت أن تتحول إلى مواجهة عسكرية بين أنقرة ودمشق، على خلفية إيواء سوريا لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان.
الاتفاق نصّ على التزام سوريا بمنع أي نشاط يهدد أمن تركيا، وإغلاق معسكرات الحزب، وتفعيل التنسيق الأمني المباشر بين البلدين. كما اعتبرته أنقرة مظلة قانونية تتيح عمليات محدودة عبر الحدود في إطار “ملاحقة إرهابية”، وهو ما ظل موضع خلاف في تفسيراته لعقود.
لكن بعد عام 2011، عاد الاتفاق إلى الواجهة كورقة سياسية تركية جاهزة، خصوصاً مع تصاعد الصراع في شمال سوريا وبروز وحدات حماية الشعب الكردية كقوة مسلحة مدعومة أمريكياً.
“تل أبيب”… مشروع “منطقة منزوعة السلاح” جنوباً:
في المقابل، كشفت تقارير إسرائيلية عن مقترح قدّمه “رئيس الوزراء الإسرائيلي”، “بنيامين نتنياهو” يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في جنوب سوريا، بحجة “حماية الأمن الإسرائيلي”.
وتشير المصادر إلى أن “تل أبيب” تسعى من خلال هذا المشروع إلى تثبيت واقع ميداني جديد يضمن استمرار وجودها العسكري في الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد، وتوسيع نطاق نفوذها الأمني عبر ترتيبات طويلة الأمد، تُدار بالتنسيق غير المباشر مع قوى إقليمية فاعلة.
مقايضة النفوذ.. خريطة بلا سيادة:
بين “اتفاق أضنة” شمالاً و”المنطقة المنزوعة السلاح” جنوباً، تبدو الخريطة السورية ساحة مفتوحة لمقايضات النفوذ بين أنقرة و”تل أبيب”، في ظل غياب حقيقي لأي سلطة سورية مركزية قادرة على فرض سيادتها على كامل أراضي البلاد.
فأنقرة تبحث عن عمق أمني مستدام يبعد عنها خطر “قسد”، فيما تسعى “إسرائيل” إلى ضمان هدوء جبهتها الشمالية، لتبقى سوريا بين خريطتين متنازعتين… لا مكان فيهما لصوت السوريين أنفسهم.
سوريا ساحة التنافس الإقليمي: تركيا شمالاً و”إسرائيل” جنوباً:
تركيا تتغلغل من الشمال، و”إسرائيل” تتمدد من الجنوب، فيما تضيق المسافة بين الجانبين يوماً بعد يوم لتصل إلى نحو 400 كيلومتر فقط.
هكذا تتحول سوريا تدريجياً إلى ساحة تماسٍ مفتوحة بين نفوذين متقابلين… بلا سيادة واضحة ولا خطوط حمراء.
الجديد في المشهد السوري اليوم ليس تعدد اللاعبين، بل تشابك المصالح وتلاقيها على أرض واحدة.
وبينما يُعاد إحياء اتفاقات من القرن الماضي تحت مسميات جديدة، تبقى السيادة السورية معلّقة بين خرائط تُرسم في أنقرة و”تل أبيب” وواشنطن وموسكو، في سباقٍ مفتوح على “الكعكة السورية” التي لم تكتمل بعد.
إقرأ أيضاً: هل أهان الاحتلال الإسرائيلي عناصر الأمن السوري في درعا؟ صور متداولة تثير العاصفة
إقرأ أيضاً: تركيا تزوّد الجيش السوري الجديد بالسلاح: تحول يعيد رسم خريطة الشمال السوري