الفصائلية تحكم السلطة الانتقالية في سوريا.. والجيش الجديد يعيد إنتاج المشهد القديم
داما بوست -خاص
اجتماع عسكري رفيع… ولكن بروح فصائلية قديمة:
شهدت الساحة السورية مجددًا مشهدًا مألوفًا من مشاهد الانقسامات الداخلية، حين عقدت قيادة “الجيش السوري الجديد” اجتماعًا طارئًا للبت في قضية عمر أومسين، الفرنسي من أصول سنغالية وقائد كتيبة الغرباء، بعد اشتباكات وقعت في محيط مخيم الفرنسيين في منطقة حارم بريف إدلب الشمالي الغربي، على خلفية محاولة اعتقاله من قبل قوات الأمن الداخلي.
الاجتماع ضم أسماء بارزة من قيادات الفصائل الأجنبية العاملة تحت مظلة “الجيش السوري الجديد”، من بينهم الشيخ “أبو محمد تركستان” قائد الفرقة 84، والشيخ “عبد العزيز أوزبك” قائد لواء أبي عبيدة بن الجراح، والشيخ “سيف الدين أوزبك” المسؤول العسكري في اللواء، والشيخ “أبو أنس طاجيك”، “أمير جماعة طاجيك”، إلى جانب ممثل عن وزارة الدفاع أبو عبدو طعوم من الجنسية السورية.
اتفاق هشّ يُعيد مشهد “تبويس الشوارب”:
توصل المجتمعون إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، وسحب السلاح الثقيل إلى الثكنات العسكرية، ووقف الحملات الإعلامية المتبادلة، مع إحالة ملف الخلاف إلى القضاء الشرعي في وزارة العدل، وفتح باب مخيم المهاجرين الفرنسيين أمام قوات وزارة الداخلية لتنظيم الوجود الأمني فيه.
ورغم اللغة الرسمية التي صيغ بها الاتفاق، إلا أن جوهره لا يختلف عن مشاهد المصالحات القديمة التي عرفتها الساحة السورية خلال سنوات الانقسام، حين كانت الخلافات بين الفصائل تُحل عبر وساطات شخصية ومجالس عرفية لا عبر مؤسسات قضائية أو عسكرية حقيقية.
ويرى مراقبون أن الاتفاق هش ويحمل في خلفياته الكثير من التوترات القادمة بين المقاتلين الأجانب والسلطة الانتقالية، لأن “هيئة تحرير الشام” الحاكم الفعلي لسوريا حالياً، كانت دائماً تنقلب على الاتفاقيات مع الفصائل التي كانت تعارضها إبان السيطرة على الشمال السوري، قبل سقوط نظام بشار الأسد.
اتهامات متبادلة وولاءات متشابكة:
قوات الأمن الداخلي بررت عمليتها الأمنية ضد مخيم الفرنسيين بمحاولة القبض على أومسين بتهمة الخطف وإنشاء محكمة خاصة خارج سلطة القضاء، فيما ردّت “فرقة الغرباء” ببيان شديد اللهجة، اتهمت فيه الحكومة السورية بالتنسيق مع المخابرات الفرنسية، ووصفت العملية بأنها “خيانة كبرى”، معلنة استعدادها “للدفاع حتى النهاية”.
هذه الاتهامات المتبادلة، بحسب مراقبين، تعكس غياب الثقة بين أطراف المنظومة العسكرية نفسها، وتؤكد أن التماسك داخل “الجيش السوري الجديد” ما زال هشًّا ويقوم على التوازنات الشخصية والانتماءات الفصائلية، لا على وحدة القرار العسكري.
الفصائلية في ثوب رسمي:
يرى محللون أن الاتفاق الأخير يعيد إلى الأذهان مرحلة ما قبل توحيد الفصائل، حين كانت الخلافات تُحسم عبر ما سُمّي آنذاك بـ”المحاكم الشرعية” و”مجالس الصلح” التي كان يديرها دعاة وشيوخ مقربون من أطراف النزاع، مثلما كان يفعل السعودي عبدالله المحيسني خلال سنوات الصراع الفصائلي بين هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل المعارضة.
اليوم، يتكرر المشهد نفسه تحت راية “السلطة الانتقالية”، لكن بلباس رسمي جديد. فبدل أن تتولى المؤسسات العسكرية والقضائية حسم النزاعات، تُعاد صياغة الخلافات على طريقة “تبويس الشوارب” وبوساطات قادة فصائل أخرى، بعضها يحمل جنسيات أجنبية ويتبوأ مناصب داخل الجيش نفسه.
سلطة انتقالية.. لكنها غير مدنية:
الحالة الفصائلية التي تتحكم في مفاصل “السلطة الانتقالية” تُنذر بتكرار تجارب الماضي. فبدلاً من أن تكون هذه السلطة نواةً لبناء جيش وطني ومؤسسات قانونية موحدة، تحولت تدريجيًا إلى ائتلاف فصائلي مسلح، تُدار فيه الخلافات بمنطق الولاء والصفقات، لا بمنطق الدولة والقانون.
إقرأ أيضاً: من باريس إلى إدلب… فرقة الغرباء وعمر أومسين
إقرأ أيضاً: كتيبة الغرباء بقيادة عمر أومسين: ملف الجهاديين الفرنسيين في سوريا يعود إلى الواجهة