تواجه محافظة السويداء منذ تموز/يوليو الماضي واقعاً معقداً يتجسد في أزمتين متداخلتين: أزمة الخبز نتيجة توقف توريدات القمح من دمشق، وأزمة السيولة النقدية التي أصابت المؤسسات العامة، فيما يجد الأهالي أنفسهم بين بدائل مكلفة ووسائل التفاف غير رسمية لتأمين احتياجاتهم اليومية.
رغيف الخبز.. ضحية السياسة
مع توقف شحنات القمح منذ 13 تموز/يوليو، باتت الأفران تعتمد فقط على الطحين الإغاثي المقدم عبر الهلال الأحمر، ما أدى إلى توقف الإنتاج عند تأخر القوافل. وتحتاج السويداء يومياً إلى نحو 120 طناً من الطحين، في حين لا تكفي المساعدات الدولية لتغطية هذا الطلب.
الطحين المتوفر في مطاحن أم الزيتون، الذي تضرر بفعل الحرائق خلال الأحداث الأخيرة، يعد رديئاً وصعب الاستعمال. ويؤكد موظفو الأفران أن الحكومة الانتقالية أوقفت التوريدات النظامية، ما جعل إنتاج الخبز خاضعاً لتقلبات القوافل الإغاثية.
أمام ذلك، يلجأ الأهالي إلى بدائل باهظة الثمن، منها الخبز السياحي بسعر 11 ألف ليرة للربطة مقارنة بـ2500 ليرة لربطة خبز الدولة، أو خبز الصاج (الملوح) الذي يصل سعر ربطة منه إلى 20 ألف ليرة. أما الفئات الأكثر تضرراً فهي مرضى السكري وأصحاب الاحتياجات الخاصة، إذ تتوقف الأفران المخصصة لهم مع أي تعطل في وصول الطحين.
الدولار بديل الليرة.. وتحويلات المغتربين شريان حياة
إلى جانب أزمة الخبز، شهدت السويداء ضيقاً في السيولة النقدية عقب أحداث يوليو، خاصة لموظفي القطاع العام الذين تعذر عليهم استلام رواتبهم نتيجة توقف عمل المصارف وفصل شبكاتها عن دمشق.
غير أن السوق السوداء وشركات الحوالات الخاصة وجدت طرقها لتجاوز هذه الأزمة، خصوصاً بعد استئناف فرع شركة “الهرم” عمله في سوق الكهرباء بالسويداء، ما أتاح استقبال الحوالات الداخلية.
أما العائلات، فتعتمد بشكل شبه كامل على تحويلات المغتربين، التي عادت لتتدفق دون سقف محدد بعد فترة من القيود. هذه التحويلات باتت المصدر الأساسي للسيولة داخل المحافظة، في ظل توقف الرواتب الحكومية.
ورغم الحديث عن العملات الرقمية كخيار بديل لتسريع المدفوعات، إلا أن غياب البنية التحتية يجعلها حتى الآن حلاً نظرياً أكثر منه عملياً.
عودة الحركة التجارية.. دلائل على الترابط مع دمشق
على صعيد آخر، عادت القوافل التجارية لتدخل السويداء محملة بالبضائع، فيما استؤنف تصدير المنتجات الزراعية كالبندورة والعنب والتفاح نحو دمشق بعد انقطاع دام شهراً، ما انعكس على الأسعار محلياً. فقد ارتفع سعر كيلو البندورة مجدداً إلى أكثر من ألفي ليرة بعد أن كان أقل من ألف ليرة بسبب توقف التصدير.
هذه العودة للحركة التجارية تعكس توفر السيولة لدى التجار من جهة، وتؤكد من جهة أخرى أن دمشق لا تزال الوجهة الاقتصادية الوحيدة للسويداء، في ظل غياب أي معابر بديلة أو قنوات اقتصادية فعلية مع دول الجوار، رغم ما يُتداول محلياً وإعلامياً حول احتمالات التعاون مع الأردن أو إسرائيل.
رغيف المواطن والدولار.. أدوات ضغط
في المحصلة، يجد أهالي السويداء أنفسهم بين خبز يتأرجح بين الأفران والإغاثة وسيولة تتنفس عبر الحوالات غير الرسمية، فيما تتحول الاحتياجات الأساسية إلى أوراق ضغط سياسية بين أطراف النزاع. والسؤال الأبرز يبقى: إلى متى سيظل رغيف الفقير وقوت العائلة خاضعين لهذه الحسابات؟
اقرأ أيضاً:انقسام إداري في السويداء: صراع بين الحكومة الانتقالية اللجنة القانونية العليا