“التغريبة الفلسطينية”: حين يصبح الفن مرآة للتاريخ.. مراجعة نقدية بناءة
يعتبر مسلسل “التغريبة الفلسطينية” أيقونة في تاريخ الدراما العربية، ليس فقط لكونه عملاً فنياً فريداً، بل لأنه وثيقة بصرية أرّخت للذاكرة الفلسطينية بكل تفاصيلها الإنسانية المؤلمة.
المسلسل الذي عرض عام 2004، لا يزال حتى اليوم يُشكل مرجعاً هاماً لفهم معاناة شعب اقتُلع من أرضه، وذلك بفضل التكامل المذهل بين عناصر العمل الفني كافة
بين رؤية المخرج وعمق الكاتب
يبرز العمل كنموذج استثنائي للشراكة الفنية بين المخرج الراحل حاتم علي والكاتب وليد سيف.
نجح حاتم علي في ترجمة النص الملحمي إلى لغة بصرية غاية في الواقعية والجمال، معتمداً على لقطات واسعة تعكس فضاء الحكاية وأخرى مقربة ترصد أدق انفعالات الشخصيات.
لقد أدار علي كوكبة من النجوم ببراعة، ليُعيد بناء قرية فلسطينية بكل تفاصيلها الحياتية قبل النكبة، ويتبع خطى أهلها في رحلة الشتات المريرة.
في المقابل، قدم الكاتب وليد سيف نصاً محكماً يوازن ببراعة بين الحدث التاريخي الكبير والقصص الإنسانية الصغيرة.
لم يكن المسلسل مجرد سرد سياسي، بل هو حكاية عائلة فلسطينية بسيطة تنبض بالحياة، وتتصارع مع أحلامها وآلامها.
جاءت الحوارات عميقة ومؤثرة، وغنية باللهجة الفلسطينية، مما أضاف طابعاً فريداً من الأصالة
أداء تمثيلي أيقوني
لا يمكن الحديث عن المسلسل دون الإشادة بالأداء التمثيلي الاستثنائي الذي أثّر بشكل عميق في الجمهور.
قدم الفنان القدير جمال سليمان أداءً خالداً في دور الأب “أبو أحمد”، الذي أصبح رمزاً للصمود والعزة.
كما أبدع الراحل خالد تاجا في دوره، وأظهر قدرة فذة على تجسيد شخصية محورية بصدق.
يُضاف إلى ذلك الأداء المتميز لكل من نضال سيجري، مكسيم خليل، نادين تحسين بيك.
والممثلين الشباب الذين حملوا لواء القصة، بالإضافة إلى الأداء المبهر للطفل تامر العربيد، الذي جعل من رحلة هذه العائلة رحلة شخصية لكل مشاهد
نقد بناء وأهمية في الذاكرة
على الرغم من قيمته الفنية والتاريخية العظيمة، يمكن الإشارة إلى أن بعض الحلقات في منتصف المسلسل قد شهدت تباطؤاً في الإيقاع.
مما قد يؤثر على انتباه المشاهد في العصر الحالي الذي يفضل الإيقاع السريع.
كما أن الطابع التراجيدي الغالب على القصة، رغم أنه يعكس الواقع، قد يجعل من مشاهدته تجربة صعبة على البعض، وهو ليس عيباً بقدر ما هو خيار فني يحمل أمانة السرد التاريخي.
في الختام، يظل “التغريبة الفلسطينية” عملاً فنياً متكاملاً، تحول من مجرد مسلسل إلى مرجع ثقافي يُوثّق لفترة فارقة من تاريخ فلسطين.
إنه شهادة على أن الدراما حين تكون صادقة ومتقنة، يمكنها أن تُخلّد قصص الشعوب وتحفظ ذاكرتها من الضياع.
إقرأ أيضاً: يارا صبري تكشف عن الوضع الصحي لوالدها وتصف زوجها بـ”رفيق الدرب”