مجازر الساحل السوري: قراءة في تقرير لجنة التحقيق وتوصيات المركز الدولي للحقوق والحريات

شهدت مناطق الساحل السوري بين 7 و12 آذار/مارس 2025 انتهاكات واسعة النطاق أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 1700 مدني، من الطائفة العلوية، في هجمات ذات طابع جماعي وطائفي.

بعد هذه الأحداث، شكلت لجنة تحقيق وطنية وعقدت مؤتمرًا صحفيًا في 22 تموز/يوليو 2025 لعرض ملخص لتقريرها.

يأتي هذا التحليل من المركز الدولي للحقوق والحريات لتقديم قراءة قانونية أولية لتقرير اللجنة الوطنية، نظرًا لخطورة الانتهاكات والمؤشرات على طابعها المنهجي والعقائدي

عقدت اللجنة الوطنية مؤتمرها الصحفي في دمشق بعد أربعة أشهر من العمل، وقد لخصت نتائجها كالتالي:
• زارت اللجنة 33 موقعًا، وعاينت مقابر، وسجلت 938 إفادة.
• وثقت مقتل 1426 شخصًا، منهم 90 امرأة و238 من الجيش والأمن.
• حملت “الفلول” مسؤولية الهجمات المنسقة، وقتل الأسرى، ومحاولة فصل الساحل.
• أقرت بوقوع تعذيب وقتل وحرق وشتائم طائفية، لكنها لم تعتبرها “منظمة بالكامل”.
• حددت 265 مشتبهًا بهم من “الفلول” و298 من “العناصر الأخرى”.
• أشارت إلى تعاون الدولة معها، وتم إلقاء القبض على 31 مشتبهًا بهم من مرتكبي الانتهاكات و6 من “الفلول”.
توصيات اللجنة الوطنية: ركزت على متابعة المشتبه بهم، ضبط السلاح، جبر الضرر، حوكمة مؤسسات الأمن، مراجعة قرارات التسريح، العدالة الانتقالية، مواءمة القوانين مع الاتفاقيات الدولية، وتعزيز الحوار والسلم الأهلي.
أبدى المركز الدولي للحقوق والحريات ملاحظات جوهرية على تقرير اللجنة الوطنية، مما يقوض مصداقيته :
1. غياب الشفافية: لم يُنشر التقرير كاملاً، ولم تُعرض المنهجية أو أدلة الاتهام والدفاع، مما ينتهك “الحق في معرفة الحقيقة”.
2. تناقض في توصيف الجريمة: التقرير وصف الجرائم بأنها “ثأرية فردية” بينما زعم أنها لمنع “إقامة دولة علوية”، وهذا التناقض يؤكد مسؤولية الدولة في الحالتين. كما أن نفي الطابع المنهجي للجرائم يتناقض مع تكرارها وعدد الضحايا.
3. تجاهل المسؤولية الهرمية: أغفل التقرير مسؤولية القيادات العليا في الحكومة المؤقتة ووزارتي الدفاع والداخلية، رغم وجود دلائل على علمهم أو تواطئهم.
4. تغييب البعد العقائدي والتحريض: لم يتطرق التقرير إلى التحريض الطائفي وخطاب الكراهية الذي سبق المجازر ورافقها.
5. فشل في توثيق الانتهاكات: تجاهل التقرير توثيق مقتل 1700 مدني، وعمليات الإبادة العائلية، والخطف، والاعتداءات الجنسية، وتهجير القرى، وتورط فصائل محددة.
6. سردية سياسية منحازة: تبنى التقرير رواية “منع سلخ الساحل عن سوريا” دون أدلة، مما يفقده الحياد
يرى المركز أن توصيات اللجنة ضعيفة وغير كافية :
1. غياب الإلزامية: صيغت التوصيات بلغة عامة وفضفاضة دون جداول زمنية أو آليات تنفيذ واضحة، مما يفتح الب باب التسويف.
2. لا هيئة للعدالة الانتقالية: رغم الإشارة إلى “العدالة الانتقالية”، لم تُقترح أي آلية تنفيذية ملموسة.
3. تجاهل القضاء الدولي: لم تتطرق التوصيات لإشراك الآليات الدولية أو الأممية، مما يضعف ضمانات المساءلة.
4. تغليب البعد الإداري: ركزت التوصيات على إصلاحات إدارية بسيطة بدلاً من مواجهة الجرائم كجرائم دولية.
5. تجاهل المسؤولية القيادية: لم تتضمن أي توصية صريحة بملاحقة من أصدر الأوامر أو تغاضى عن الانتهاكات.
6. ضعف حماية الشهود والضحايا: لم تُذكر آليات لحماية الشهود أو دعم الضحايا، مما يعرضهم للخطر.
يقدم المركز الدولي للحقوق والحريات توصيات تكميلية لضمان مساءلة حقيقية وعدالة مستدامة :
1. العدالة والمساءلة الجنائية:
o إعادة تكييف الجرائم: تصنيفها كجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وفق القانون الدولي.
o تفعيل مسؤولية القادة: فتح تحقيقات مستقلة تستهدف التسلسل القيادي العسكري والأمني والسياسي.
o حماية الشهود والضحايا: إنشاء هيئة مستقلة لتوفير الحماية الجسدية والقانونية والنفسية.
2. العدالة الانتقالية وجبر الضرر:
o هيئة للحقيقة والمصالحة: تأسيس هيئة مستقلة لكشف الحقيقة الكاملة وتحديد المسؤوليات.
o صندوق لجبر الضرر: إنشاء صندوق وطني لتقديم تعويضات فردية وجماعية للضحايا.
3. الإصلاح المؤسسي والتشريعي:
o إجراءات التدقيق (Vetting): تشكيل لجنة مستقلة لعزل المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان من قطاعي الأمن والدفاع.
o المصادقة على الاتفاقيات الدولية: التصديق الفوري على نظام روما الأساسي واتفاقية الاختفاء القسري، ومواءمة القوانين الوطنية معها.
4. توصيات للمجتمع الدولي:
o تفعيل الرقابة والدعم التقني: دعوة مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان لإنشاء بعثة ميدانية في سوريا.
o تفعيل الولاية القضائية العالمية: تشجيع الدول على فتح تحقيقات وملاحقات قضائية ضد المشتبه بهم.
o ربط الدعم بالمحاسبة: حث الدول المانحة على جعل المساعدات مشروطة بإحراز تقدم حقيقي في ملف المحاسبة
وفي الخاتمة:
يشكل تقرير لجنة تقصي الحقائق خطوة أولية، لكن طابعه الرسمي، واعتماده على الشبهة، وغياب التوصيف الدقيق للجرائم وفق القانون الدولي، والاكتفاء بالقضاء المحلي، يقلل من جدواه. إن تبرئة القادة، وتغييب الحقيقة، وتسييس العدالة لن يعيد السلام، بل سيعمق الشرخ المجتمعي ويطيل عمر النزاع. يؤكد المركز الدولي للحقوق والحريات أن الحقيقة الكاملة والمساءلة الشاملة هما الطريق الوحيد نحو سلام مستدام وعدالة حقيقية

 

إقرأ أيضاً: “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى” يدين تقرير لجنة تقصي الحقائق

إقرأ أيضاً: رويترز: حقائق جديدة عن مجزرة الساحل

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.