“لجنة الظل”.. سوريا تعيد تشكيل اقتصادها سراً وشقيق “الشرع” يتولى المسؤولية
كشفت تحقيقات لوكالة رويترز أن الحكومة السورية الانتقالية، بقيادة أحمد الشرع وشقيقه الأكبر حازم الشرع، تعمل سراً على إعادة هيكلة اقتصاد البلاد المنهك، وتتم هذه العملية عبر “لجنة ظل” غير معلنة، تتضمن استحواذات سرية على شركات كبرى كانت تحت سيطرة نظام الأسد، ما يثير مخاوف من استبدال نظام حكم وإدارة تتحكم فيه أقلية بآخر.
قيادة غامضة وسلطة واسعة
يشرف على عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية في سوريا حازم الشرع، الشقيق الأكبر للرئيس، كان حازم في السابق المدير العام لشركة بيبسيكو في أربيل بالعراق، ومورداً رئيسياً للمشروبات الغازية إلى إدلب، أما قائد اللجنة، المعروف بكنية “أبو مريم الأسترالي”، فهو إبراهيم السكريّة، وهو أسترالي من أصل لبناني مدرج على قائمة العقوبات في بلده بسبب مزاعم تمويل الإرهاب.
يستخدم السكريّة أيضاً هوية “إبراهيم بن مسعود” على وسائل التواصل الاجتماعي، ويصف نفسه بأنه “صاحب عمل” و”عاشق للشاورما” و”مشجع كريكيت”.
اكتسبت هذه اللجنة سلطتها من تجربة أعضائها في إدارة الأموال في إدلب، المعقل الشمالي الذي رسخت فيه هيئة تحرير الشام (HTS) سلطتها تحت قيادة أحمد الشرع (الذي كان يُعرف آنذاك باسم أبو محمد الجولاني)، بعد انفصالها عن تنظيم القاعدة في عام 2016، طورت هيئة تحرير الشام هياكل مالية وأنظمة لإدارتها خاصة بها، بما في ذلك شركة وتد للبترول وبنك الشام.
وفقاً لتحقيقات رويترز، حصلت اللجنة على أصول تتجاوز قيمتها 1.6 مليار دولار من خلال صفقات استحواذ على حصص في شركات ومصادرة أموال.
يشمل هذا المبلغ ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار من الأصول المأخوذة من ثلاثة رجال أعمال، بالإضافة إلى شركات تابعة لتكتل كان يسيطر عليه المقربون من نظام الأسد، مثل شركة الاتصالات الرئيسية في البلاد التي تقدر قيمتها بـ 130 مليون دولار على الأقل.
“الحاكم الخفي” في البنك المركزي
يعود الفضل في نشأة اللجنة الاقتصادية وتطورها إلى شخصية تُعرف بـ أبو عبد الرحمن، الذي تبين أن اسمه الحقيقي هو مصطفى قديد.
أشرف أبو عبد الرحمن على تطور لجنة إدلب الاقتصادية، التي بدأت كمجموعة غير رسمية من بضعة رجال موالين لأحمد الشرع، لتصبح مؤسسة تضم العشرات من الأفراد، من المحاسبين والمحامين إلى المفاوضين والمكلفين بالتنفيذ، هذه اللجنة تعمل خارج الهياكل الرسمية للدولة.
طورت اللجنة جناحاً اقتصادياً يركز على جني الأموال، بقيادة أبي مريم، وجناحاً مالياً لإدارة تلك الأموال، بقيادة أبي عبد الرحمن.
بعد سقوط دمشق، أنشأ قديد مكتباً له في الطابق الثاني من البنك المركزي السوري.
وأصبح أبو عبد الرحمن معروفاً لبعض المسؤولين والمصرفيين السوريين باسم “الحاكم الخفي”، الذي يمتلك حق النقض على قرارات المحافظ الرسمي للبنك المركزي، الذي يقع مكتبه في طابقين أعلى، وعلى الرغم من نفي محافظ البنك المركزي السوري، عبد القادر حصرية، هذه المعلومات، إلا أن موظفين سابقين أكدوا أن القرارات الرئيسية تتطلب موافقة أبي عبد الرحمن، الذي وصفوه بأنه لطيف الطباع ولكنه يفضل مركزية السلطة، مشيرين إلى أن الوضع “كما كان من قبل، عندما كان القصر يقرر جميع الأمور”.
تسويات مثيرة للجدل مع أباطرة الأسد
تجنبت القيادة السورية الجديدة المسارات التقليدية مثل المقاضاة أو المصادرة الشاملة للشركات، مفضلةً عقد صفقات مع رجال الأعمال.
يأتي هذا النهج لتجنب إخافة المستثمرين المحتملين، وبسبب خشية الحكومة الجديدة من أن يتفوق عليها رجال الأعمال البارعون في التعامل مع النظام القضائي، أو من افتقارها إلى الأدلة الكافية للإدانات في القضايا المالية المعقدة، تمنح هذه التسويات حصانة من الملاحقة القضائية مقابل التنازل عن أصول كبيرة.
من أبرز هذه الصفقات، تنازل رجل الأعمال الشموط، صاحب شركة أجنحة الشام للطيران (Cham Wings) الخاضعة لعقوبات أمريكية وأوروبية (لمزاعم تورطها في نقل مرتزقة ومهربين ومهاجرين غير شرعيين إلى بيلاروسيا، بالإضافة إلى تهريب الأسلحة والاتجار بمخدر الكبتاغون)، عن 45% من شركته ودفع 50 مليون دولار وسلم طائرتين للخطوط الجوية السورية المملوكة للدولة
احتفظ الشموط بامتياز وكالة السيارات الخاصة به، الشموط للسيارات (Shammout Auto).
كذلك، سلم سامر الفوز، الذي فرضت عليه واشنطن عقوبات في عام 2019 لاتهامه بالاستفادة من إعادة إعمار سوريا بعد الحرب، حوالي 80% من أصوله التجارية التي تقدر قيمتها بما بين 800 مليون دولار ومليار دولار. تشمل الصفقة أحد أكبر مصافي السكر في الشرق الأوسط، ومصنعاً لصهر الحديد، ومصانع أخرى.
أما محمد حمشو، الذي تُتهم شركاته (والتي تشمل إنتاج الكابلات، والأعمال المعدنية، والإلكترونيات، واستوديوهات الأفلام) بالاستفادة من الحرب وتوفير واجهة لشقيق الأسد، ماهر الأسد ، فقد سلم حوالي 80% من أصوله التجارية التي تقدر قيمتها بأكثر من 640 مليون دولار.
احتفظ حمشو بحوالي 150 مليون دولار، واحتفظ أفراد عائلته بشركاتهم، وقد أثارت عودة حمشو إلى سوريا في يناير وإقامته تحت حماية الدولة في شقته الفاخرة بحي المالكي بدمشق، غضباً واسعاً بين السوريين الذين يطالبون بالعدالة، مما أدى إلى تنظيم احتجاجين صغيرين في يونيو.
أكد حمشو لرويترز أنه أجرى محادثات مع اللجنة، لكنه امتنع عن التعليق حتى يتم الإعلان عن التسوية.
“المجموعة”: إمبراطورية الأسد السرية
بدأت القيادة السورية الجديدة في تفكيك اقتصاد عصر الأسد، الذي كان ينقسم إلى حد كبير بين كبار رجال الأعمال الذين سيطروا على قطاعات رئيسية مقابل رشاوي للأسد ودائرته المقربة، والإمبراطورية التجارية التي كان يديرها رجل الأعمال ياسر إبراهيم لصالح الأسد، والمعروفة باسم “المجموعة”.
في عام 2020، أنشأ القصر مجموعة تضم أكثر من 100 شركة أطلق عليها اسم “العهد” (والتي تعني “العهد” أو “القسم”). شارك مسؤولو حكومة الأسد والمقربون منه في أرباح هذه الشركات مع أصحابها من كبار رجال الأعمال، وكل هذا كان تحت إشراف ياسر إبراهيم. بعد سقوط الأسد، أصبح هيكل الملكية يبدو أكثر غموضاً.
مع سقوط دمشق في 8 ديسمبر، فر إبراهيم. وقد عبرت شقيقته، نسرين، عن أسفها لفقدان “المجموعة” للسيطرة. حصلت اللجنة الجديدة على عرض تقديمي داخلي يوضح هيكل هذه الشركات واستخدمته لتوجيه عمليات الاستحواذ، حيث تم استبدال علم عصر الأسد بالعلم الجديد.
تطلعات مستقبلية وانتقال من الظل إلى النور
تأتي هذه التحركات في الوقت الذي ترفع فيه حكومة الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية عن الدولة السورية، بهدف “إعطاء سوريا فرصة للعظمة”، وفقاً لمسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، وقد شهدت سوريا تعهدات استثمارية سريعة، حيث قاد وزير الاستثمار السعودي وفداً تجارياً إلى سوريا لمؤتمر استثماري بدأ في 23 يوليو، مع وجود ما يصل إلى 6 مليارات دولار من الصفقات المحتملة على الطاولة في القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
في 9 يوليو، أعلن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع عن تشكيل صندوق ثروة سيادية تابع للرئاسة، وسيشرف عليه شقيقه حازم، كما أعلن عن إنشاء صندوق تنمية يرأسه أحد المقربين من حازم.
وعلى الرغم من عدم وجود دور حكومي معلن لحازم الشرع وإبراهيم السكريّة، فقد وجدت رويترز أنهما قاما بتحرير النص النهائي لتعديلات قانون الاستثمار.
مع اختتام التسويات، بدأ بعض أعضاء اللجنة في تولي مناصب عامة في محاولة لإضفاء الطابع الرسمي على عملهم الذي كان يتم في الظل.
تشهد اللجنة تحولاً تدريجياً في أسلوب عملها، حيث يتم استبدال الكنيات بالألقاب الرسمية، وتُجرى المعاملات الورقية خلال ساعات العمل الرسمية، ويُطلب من الأعضاء ارتداء البدل وإخفاء مسدساتهم.
تثير هذه التطورات نقاشاً واسعاً في سوريا، حيث يرى البعض أن النهج العملي للحكومة الجديدة يمكن أن يفيد البلد المنهار، بينما يعرب آخرون عن قلقهم من الافتقار إلى الشفافية والمعايير الواضحة للتسويات، مما قد يؤدي إلى انتهاكات جديدة للسلطة.
اقرأ أيضاً: الانفجار المؤجل: جنرال إسرائيلي يصف سوريا بـ”الصومال الجديدة”.. و”الشرع” مجرد واجهة زائفة