داما بوست- خاص يخيم شبح تخلي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن أوروبا على جميع الأروقة والمحافل الأوروبية ابتداء من الحلف الأطلسي، مروراً بالاتحاد الأوروبي، حتى أن كل دولة أوروبية باتت تفكر على حدة بهذا التخلي الذي يلوح في الأفق عبر تصريحات ترامب، وسلوكيات الرئيس الحالي جو بايدن المشغول في الحرب الأوكرانية ودعم كييف.
ويبدو أن ترامب هو الرئيس القادم إلى البيت الأبيض بعد الرئيس الحالي جو بايدن الذي لا فرصة له بأي شكل من الأشكال للفوز بولاية رئاسية جديدة على ضوء وضعه الصحي المتدهور خصوصاً ما يتعلق بذاكرته، والمزاج العام الأمريكي الذي يرفض عودته من جديد لرئاسة البيت البيضاوي.
ويبقى المنافس الوحيد وهو ترامب الذي أصبح في وضع تصب فيه كل الاحتمالات لرجوع تمركزه في البيت الأبيض، مع احتفاظه بعلاقات طيبة مع روسيا، وهو ما تخشاه الدول الأوروبية.
ذات مرة وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية الراحلة مادلين أولبرايت أمريكا بأنها “الأمة التي لا غنى عنها”، فهل يجعل الرئيس السابق دونالد ترامب أمريكا أمة ليست ذات صلة؟ خصوصاً بالقارة العجوز التي تتخوف هذه الأيام من تخلي أمريكي مرتقب مع عودة ترامب لسدة الحكم.
شبح التخلي عن أوروبا يتزايد.. زعماء أوروبيون سيعملون بمفردهم
والملاحظ أن المخاوف المتزايدة من حدوث تحول جديد ومرعب في الولايات المتحدة جعلت عدداً متزايداً من الزعماء الأوروبيين مصممين على العمل بمفردهم.
وفي الآونة الأخير ظهر تردد من الرئيس بايدن تجاه أوروبا وبات لسان حال الأوروبيين يقول: “حتى التعليقات الموجهة من بايدن للكونغرس المتمرد، مثل الطريقة التي يبتعدون بها عن التهديد الروسي، والطريقة التي يبتعدون بها عن تهديد الناتو، والطريقة التي يبتعدون بها عن تلبية احتياجاتنا، إنه أمر صادم…”.
والحقيقة أن مؤتمر ميونخ الأمني السنوي شهد الكثير من الأحداث بشأن إخفاقات الكونغرس، وعاد أغلب الزعماء الأوروبيين إلى بلادهم من ميونخ، وهم أكثر اقتناعاً من أي وقت مضى بأن الولايات المتحدة أصبحت على أعتاب التخلي عنهم.
بالنسبة للكثيرين، من الواضح أن الديمقراطيات يجب أن تبدأ في النظر بشكل ملموس في كيفية الدفاع عن نفسها دون المظلة النووية والأمنية الأمريكية التي ازدهرت تحتها لأكثر من نصف قرن.
ولقد بدأ بالفعل اتخاذ الخطوات الأولى نحو اتجاه جديد لأوروبا من دون أمريكا، وفي برلين أعلنت أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية السابقة التي قادت القارة ببراعة لمدة خمس سنوات مشحونة كرئيسة للمفوضية الأوروبية، أنها ستسعى لولاية ثانية، وتقول إن تعيين أول مفوض لشؤون الدفاع في أوروبا سيكون على رأس جدول أعمالها.
ويجب عدم إغفال القضية النووية، فالولايات المتحدة تمتلك ما يقدر بنحو 100 سلاح نووي في قواعد جوية في بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا، على الرغم من أن جميع رموز الإطلاق في أيدي الولايات المتحدة، وفرنسا هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تمتلك ترسانة خاصة بها، وهي رابع أكبر ترسانة في العالم.
الرئيس الإستوني آلار كاريس كتب عن الدفاع دون إشارة واحدة إلى أمريكا
تمثل كل هذه الجهود والتعهدات تغييراً جذرياً في الاتجاه بالنسبة لقارة ظلت لعقود من الزمن مقيدة بالولايات المتحدة باعتبارها الضامن لها، وللإشراف على هذه العملية، تحتاج أوروبا إلى فرد قوي وحازم ليكون قيصرها الدفاعي الأول.
والدليل الأكثر وضوحاً على مدى ابتعاد أوروبا عن أمريكا ونحو الاكتفاء الذاتي كان عمود رأي كتبه الرئيس الإستوني آلار كاريس تحدث فيه عن الدفاع في المنطقة دون إشارة واحدة إلى الولايات المتحدة أو دونالد ترامب.
وأشار كاريس إلى أن “أي دولة أوروبية ستكافح لمواجهة روسيا بمفردها.. ولكن عندما نكون متحدين، فإننا لا نقهر.”
وفي صفعة مباشرة لترامب، كتبت مجلة دير شبيغل الألمانية: “الناتو، بالطبع، ليس وكالة لتحصيل الديون”، وفي هذا الكلام يلمح التمرد الأوروبي القادم في وجه ترامب ومن يريدون التخلي عن أوروبا، فهي بالمحصلة تكل كبير وقوي لا يستهان به.