لاجئو فلسطين في سوريا: معاناة متواصلة داخل المخيمات
لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا يواجهون أوضاعًا معيشية صعبة داخل المخيمات، بعد سنوات من الدمار والتهجير الذي طالها منذ عام 2011، وسط تراجع ملحوظ في الخدمات الأساسية، واستمرار محدودية تدخل الجهات الرسمية والدولية في إعادة التأهيل والإعمار.
وتعترف الدولة السورية بتسعة مخيمات فلسطينية رسمية، إضافة إلى تجمعات كبرى غير رسمية. وتشمل المخيمات الرسمية: النيرب في حلب، وجرمانا في ريف دمشق، ومخيمات حمص وحماة ودرعا، ومخيم السيدة زينب جنوبي دمشق، إلى جانب مخيمات خان الشيح وخان دنون وسبينة في ريف العاصمة. أما المخيمات غير الرسمية فتضم مخيم اليرموك جنوبي دمشق، والرمل الجنوبي في مدينة اللاذقية، وعين التل (حندرات) في محافظة حلب.
واقع هش بعد عام على سقوط النظام
ويشير مدير مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، فايز أبو عيد، إلى أنه على الرغم من مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد، فإن اللاجئين الفلسطينيين ما زالوا يعيشون واقعًا معيشيًا هشًا، في ظل تحسن جزئي ومحدود في إعادة تأهيل بعض البنى التحتية. ويؤكد أن هذا الواقع ينعكس بشكل مباشر على آلاف اللاجئين الذين لم يتمكنوا بعد من العودة إلى مخيماتهم المدمرة، ولا سيما في مخيمات اليرموك ودرعا وحندرات، حيث لا تزال معاناة النزوح والتشرد والأعباء الاقتصادية قائمة.
ويوضح أبو عيد أن نسبة كبيرة من منازل المخيمات غير مرتبطة بشبكات المياه العامة، ما أجبر السكان على الاعتماد على صهاريج المياه الخاصة، التي تشكل عبئًا ماليًا إضافيًا على العائلات. ففي مخيم اليرموك، بدأت بعض الأحياء بتلقي المياه عبر الشبكة الرسمية لساعات محدودة أسبوعيًا، في حين لا تزال المناطق الأكثر تضررًا تعاني من مخاطر اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، الأمر الذي يعرّض السكان، وخاصة الأطفال، لأمراض معوية وجلدية، وفق تقارير ميدانية لمجموعة العمل.
كهرباء متقطعة وخدمات صحية محدودة
ويضيف أبو عيد أن ضعف البنية التحتية، ولا سيما انقطاع الكهرباء، يعيق إصلاح المنازل وتشغيل مضخات المياه، إذ لا تزال التغذية الكهربائية متقطعة في العديد من الأحياء الفرعية. ويقول إن الوضع تحسن مقارنة بمرحلة ما قبل سقوط النظام، إلا أن غياب العمل الجدي على إصلاح شبكات الكهرباء في بعض المخيمات المدمرة انعكس سلبًا على عدد ساعات التغذية الكهربائية.
وفيما يخص القطاع الصحي، يشير إلى أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أعادت مؤخرًا تأهيل بعض المراكز المتخصصة بالإسعاف والرعاية الصحية الأولية التي كانت قد تعرضت للدمار، غير أن خدمات هذه المراكز لا تشمل العمليات الجراحية أو الحالات الطبية المعقدة. ونتيجة لذلك، يضطر المرضى إلى التوجه نحو مراكز صحية خارج المخيمات، رغم المخاطر الأمنية وارتفاع تكاليف النقل.
مبادرات أهلية مقابل غياب المشاريع الكبرى
وشهدت المخيمات الفلسطينية خلال الفترة الماضية مبادرات فردية وجماعية، شملت رفع الأنقاض والمشاركة في إعادة تأهيل جزئي للبنية التحتية، إلى جانب مساهمات فلسطينيي الشتات في تمويل شراء مولدات كهربائية وصهاريج مياه وألواح طاقة شمسية، وحفر آبار مياه لدعم ذويهم داخل المخيمات.
لكن، بحسب أبو عيد، لا تزال المشاريع الاستراتيجية الكبرى، مثل شبكات الصرف الصحي والكهرباء وإزالة الركام بشكل شامل، بعيدة عن التنفيذ، في ظل عدم تدخل محافظة دمشق بشكل فعلي في إعادة الإعمار، إضافة إلى نقص التمويل اللازم.
اليرموك… ركام وخطر إنساني
من جانبه، يؤكد رئيس لجنة حي مخيم اليرموك، رامز محمد الحاج يونس، أن ركام المنازل يشكل العائق الأساسي أمام عودة السكان إلى المخيم، في ظل الإمكانيات المحدودة المتوفرة لدى لجنة الحي. ويشير إلى وجود عدد كبير من المنازل الآيلة للسقوط، التي تشققت أسقفها وظهرت قضبانها الحديدية، ما يشكل خطرًا حقيقيًا على حياة السكان.
ويضيف أن اللجنة طالبت بتدخل الدفاع المدني السوري لمعالجة هذه الأبنية الخطرة، دون وجود تأكيدات واضحة حتى الآن، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى وقوع ضحايا. كما لفت إلى أن شبكات الصرف الصحي في المخيم مدمرة بشكل شبه كامل، ما ينذر بأزمة صحية وبيئية متفاقمة.
أزمات يومية للسكان
ويعتمد سكان مخيم اليرموك حاليًا على محوّلة كهربائية واحدة، ما يدفعهم إلى الحصول على الكهرباء من المناطق المجاورة، ويجعلهم عرضة لقطع التيار في أي وقت. كما أن شبكة المياه محدودة، ويضطر اللاجئون للاعتماد على صهاريج المياه، وسط شكاوى من استغلال بعض أصحابها حاجة الأهالي وفرض أسعار مرتفعة.
وفي ظل تردي أوضاع السكن، تستخدم بعض العائلات أغطية قماشية (برادي) بدل النوافذ والأبواب، ما أدى إلى تعرض أطفال، بينهم رضّع، لمخاطر صحية وحوادث، من بينها هجمات القوارض.
مطالب لأونروا والمجتمع الدولي
وطالبت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا وكالة أونروا بتبني التزام واضح تجاه اللاجئين الفلسطينيين، والعمل على ضمان عودتهم الآمنة، واستعادة الخدمات الأساسية داخل المخيمات. كما شددت على مسؤولية المجتمع الدولي في تقديم الدعم المالي واللوجستي اللازم لإعادة إعمار المخيمات الفلسطينية في سوريا.
بدورها، ترى المعلّمة فاطمة محمد، وهي من سكان مخيم اليرموك سابقًا، أن الوضع بات أفضل نسبيًا بعد سقوط النظام، الذي كان يعرقل جهود الترميم وإعادة الإعمار، إلا أن المساعدات الدولية ما تزال محدودة. وتقول إن الأهالي بدأوا بترميم منازلهم بإمكانات ذاتية متواضعة، معربين عن أملهم بخطوات عملية من محافظة دمشق لتحسين الواقع الخدمي والمعيشي داخل المخيم.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة