الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بعد سقوط النظام السابق
شهد عام 2025 تحوّلاً جذرياً في طبيعة التدخل العسكري الإسرائيلي في سوريا، عقب سقوط النظام السوري السابق في كانون الأول/ديسمبر 2024. فبعد سنوات من اعتماد سياسة «المعركة بين الحروب» القائمة على الضربات الجوية المحدودة، انتقلت “إسرائيل” إلى مرحلة التوغّل البري، والسيطرة الميدانية، وتدمير شامل للبنية العسكرية السورية، مستندة إلى ذريعة «الفراغ السلطوي» والمخاوف الأمنية.
وخلال العام، نفذت القوات الإسرائيلية عشرات التوغلات البرية، ومئات الغارات الجوية والمدفعية، وفرضت واقعاً أمنياً جديداً في الجنوب السوري، لا سيما في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء وريف دمشق، بالتوازي مع اعتقالات لمدنيين، وتدمير واسع للبنية التحتية العسكرية، وسقوط عشرات الضحايا المدنيين.
هذا التقرير يوثق الاعتداءات الإسرائيلية خلال عام 2025، ويحلل تحوّل الاستراتيجية الإسرائيلية، وانعكاساتها الميدانية والسياسية والإنسانية على سوريا.
أولاً: السياق العام – من الغارات إلى السيطرة المباشرة
عقب سقوط النظام السوري السابق في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، أعلنت “إسرائيل” أن التطورات في سوريا تمثل «خطراً أمنياً استثنائياً»، مبررةً تصعيدها العسكري بضرورة منع:
- انتقال أسلحة متطورة إلى جهات معادية
- إعادة تشكّل قدرات عسكرية سورية
- تمدد نفوذ قوى إقليمية في الجنوب السوري
غير أن الوقائع الميدانية خلال 2025 أظهرت انتقال “إسرائيل” من الاستهداف الوقائي إلى فرض نفوذ عسكري مباشر داخل الأراضي السورية.
ثانياً: التوغلات البرية والسيطرة الميدانية
- تجاوز خط فض الاشتباك (1974)
للمرة الأولى منذ توقيع اتفاق فض الاشتباك عام 1974، تجاوزت القوات الإسرائيلية المنطقة العازلة، ونفذت احتلالاً مباشراً لمناطق سورية شملت:
- محافظة القنيطرة:
السيطرة على مدينة القنيطرة المحررة، وقرى جبا، خان أرنبة، البعث، والتقدم نحو ريف دمشق الغربي. - جبل الشيخ (المرصد السوري):
السيطرة على القمم السورية ذات الأهمية الاستراتيجية، ما وفر إشرافاً نارياً واستخبارياً على دمشق والجنوب السوري. - قرى الحرمون:
توغلات في حضر، عرنة، بيت جن، بذريعة منع تمركز فصائل مسلحة.
ثالثاً: الغارات الجوية وتدمير القدرات العسكرية السورية
نفذت إسرائيل خلال 2025 حملة تدمير ممنهجة شملت معظم البنية العسكرية السورية:
- دمشق وريفها
- تدمير شبه كامل لمركزي البحوث العلمية في جمرايا وبرزة
- إخراج مطارات دمشق، المزة، السين، الضمير عن الخدمة
- استهداف مستودعات الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري في القاسيون ويعفور
- المنطقة الوسطى
- تدمير مطار T4 ومركز بحوث مصياف
- ضرب مطار الشعيرات ومنظومات الدفاع الجوي
- الساحل السوري
- استهداف مرافئ اللاذقية وطرطوس
- تدمير قطع بحرية سورية، مع تجنب الاحتكاك بالقواعد الروسية
- الشمال والشرق
- قصف مطار حلب ومستودعات السفيرة
- ضرب معابر دير الزور – البوكمال لمنع أي دعم بري عبر العراق
رابعاً: الأهداف النوعية – شلّ القدرة الاستراتيجية
ركزت الضربات الإسرائيلية على:
- تدمير منظومات الدفاع الجوي (S-200 وS-300)
- القضاء على أسطول الطيران الحربي (ميغ وسوخوي)
- تفجير مخازن الصواريخ الباليستية (سكود)
الهدف الواضح: منع سوريا من امتلاك أي قدرة ردع مستقبلية.
خامساً: الجنوب السوري – نموذج الفوضى والتدخل
مجازر السويداء وتوسيع الذريعة
في تموز 2025، ومع دخول قوات حكومة دمشق إلى السويداء، اندلعت اشتباكات دامية تخللتها انتهاكات جسيمة بحق المدنيين الدروز، وفق شهادات محلية.
استغلت “إسرائيل” هذه الفوضى لتعلن «الدفاع عن الدروز»، ونفذت:
- ضربات مسيّرة ضد فصائل موالية لدمشق
- قصف مبنى رئاسة الأركان ومحيط القصر الجمهوري
وأعلنت لاحقاً وقف التواصل مع الإدارة السورية، بالتنسيق مع واشنطن.
سادساً: التوغلات الإسرائيلية بالأرقام – 2025
أبرز المؤشرات:
- 88 استهدافاً عسكرياً حتى نهاية تموز (78 جوياً – 10 برياً)
- 132 هدفاً عسكرياً مدمراً
- 54 قتيلاً (مدنيون وعسكريون)
- عشرات التوغلات البرية الشهرية في القنيطرة ودرعا
بلغ التصعيد ذروته في:
- تشرين الأول: 40 عملية توغل
- تشرين الثاني: أكثر من 90 تحركاً عسكرياً
- عملية بيت جن (28 تشرين الثاني): 35 ضحية
سابعاً: المعتقلون السوريون في السجون الإسرائيلية
لا تزال مصائر أكثر من 40 مدنياً سورياً مجهولة، بعد اعتقالهم خلال توغلات إسرائيلية في ريفي القنيطرة ودرعا، دون أي معلومات رسمية عن أماكن احتجازهم أو أوضاعهم القانونية.
ثامناً: الموقف الميداني والسياسي حتى نهاية 2025
- تحتفظ “إسرائيل” بجميع النقاط التي سيطرت عليها
- ترفض الانسحاب دون «ضمانات أمنية»
- الحكومة السورية الانتقالية تصف الوجود الإسرائيلي بأنه احتلال جديد
- غياب ضغط دولي فعّال لإعادة الوضع إلى ما قبل 1974
الخلاصة: ماذا يعني عام 2025 لسوريا؟
يكشف عام 2025 عن تحول استراتيجي إسرائيلي خطير:
- من الردع إلى فرض الوقائع
- من الغارات إلى السيطرة الأرضية
- من الجنوب كمنطقة تماس إلى الجنوب كمنطقة نفوذ
إذا استمر هذا المسار دون ردع دولي أو إعادة بناء للسيادة السورية، فإن الجنوب السوري مرشح لأن يتحول إلى منطقة أمنية دائمة بحكم الأمر الواقع، بما يشكل تهديداً طويل الأمد لوحدة سوريا وسيادتها.
إقرأ أيضاً: كيف أضاع تفكيك الجيش بوصلة الأمن في سوريا خلال 2025؟
إقرأ أيضاً: سوريا 2025: عندما يتحوّل الخطاب الطائفي إلى جمر تحت الرماد