مفاوضات سورية – “إسرائيلية”: اتفاق أمني وشيك أم تنازل عن السيادة تحت الضغط الأميركي؟
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات:
تشهد المفاوضات السورية – الإسرائيلية تطورات متسارعة وسط ضغوط أميركية مكثفة، يقودها المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم براك، من أجل التوصل إلى اتفاق أمني قبل انعقاد الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، التي تنطلق في 23 أيلول/سبتمبر 2025.
وقد صرح الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع أن سوريا “قريبة جدًا” من توقيع اتفاق مع إسرائيل، برعاية أميركية، موضحًا أن الاتفاق سيكون “مشابهًا لاتفاق فصل القوات لعام 1974″، دون أن يعني ذلك تطبيعًا للعلاقات أو انضمامًا إلى “اتفاقيات أبراهام”.
غير أن وزارة الخارجية السورية أكدت أن الاتفاق المرتقب ما هو إلا خطوة أولى ضمن سلسلة من الاتفاقات المتتابعة مع “إسرائيل” قبل نهاية العام.
انهيار النظام السابق وتغيّر ميزان القوى جنوب سوريا:
في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، دخلت الجبهة السورية – الإسرائيلية في مرحلة جديدة:
1- “إسرائيل” أعلنت انتهاء العمل باتفاق فصل القوات لعام 1974، بذريعة “أن أحد الطرفين لم يعد قادرًا على تنفيذ بنودها”.
2- اقتحمت المنطقة العازلة في الجولان المحتل (235 كم²)، ووسّعت نطاق عملياتها لتصل السيطرة الإسرائيلية إلى 600 كم² إضافية داخل سوريا.
3- شنت “إسرائيل” حملة جوية شاملة دمّرت الجزء الأكبر من الترسانة العسكرية السورية، وبلغت غاراتها محيط القصر الرئاسي في دمشق في يوليو 2025.
كل ذلك دفع الإدارة الأميركية إلى تسريع رعاية مفاوضات مباشرة بين سوريا و”إسرائيل”، في باكو، باريس، ولندن، ضمن مساعٍ لضم سوريا إلى “اتفاقات أبراهام”، التي بدأت خلال ولاية ترامب الأولى (2017-2020).
العلاقة بين رفع العقوبات والتطبيع الأمني:
تشير التطورات إلى ربط أميركي مباشر بين رفع العقوبات عن سوريا، وبين تحقيق تقدّم في المسار التفاوضي مع “إسرائيل”:
خلال لقائه بالشرع في الرياض في 14 مايو الماضي، دونالد ترامب قدم عرضًا برفع العقوبات مقابل توقيع اتفاق مع إسرائيل.
في السياق نفسه، توجه وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية أسعد الشيباني إلى واشنطن لبحث موضوع العقوبات، بعد مشاركته في اجتماعات أمنية في لندن مع “وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي”، “رون ديرمر”، بحضور المبعوث الأميركي توم براك.
ملامح الاتفاق الأمني: “1974 بلس” أم نموذج كامب ديفيد جديد؟
يسعى الجانب السوري، وفق التصريحات، إلى إحياء اتفاق 1974 مع تعديلات محدودة، بينما تضغط “إسرائيل” نحو اتفاق أمني جديد يعكس موازين القوى الميدانية الحالية.
ووفق تسريبات وتقارير إعلامية:
“إسرائيل” تلتزم بسحب تدريجي لقواتها إلى خطوط 1974، مع استثناء مواقع في جبل الشيخ.
تأجيل البتّ بمصير مرتفعات الجولان، وتحويل الجنوب السوري إلى نطاق عازل أمني موسّع.
أبرز النقاط المسربة من المقترح الإسرائيلي:
منطقة صفراء (محتلة فعليًا): تبقى تحت سيطرة “إسرائيل” وتُستخدم كنقطة ارتكاز استخبارية وعسكرية.
منطقة زرقاء (شريط فصل القوات): تحت رقابة دولية، على غرار اتفاق 1974.
منطقة حمراء (منزوعة السلاح): يحظر فيها السلاح الثقيل، ولا تقابلها ترتيبات مماثلة على الجانب الإسرائيلي.
منطقة خضراء (حظر جوي): تشمل أجزاء من محافظات درعا، السويداء، وريف دمشق، يُمنع فيها تحليق الطيران الحربي السوري.
تهديد مباشر للسيادة السورية وتكريس لنفوذ الاحتلال:
هذا الاتفاق الأمني – في حال توقيعه – ينطوي على مخاطر استراتيجية:
- يكرس المقترح، النفوذ الإسرائيلي في محافظات الجنوب السوري (درعا والقنيطرة والسويداء وأجزاء من ريف دمشق الجنوبي الغربي)؛ إذ تستطيع “إسرائيل”، بذريعة ضمان الاستقرار والأمن وضمان تطبيق الاتفاقيات، أن تتوغل عسكريًا متى شاءت في هذه المناطق.
- يفتح الاتفاق مجالًا واسعًا للتدخلات الإسرائيلية في شؤون سورية الداخلية، خاصة في المناطق التي تكون فيها تجمعات من أبناء الطائفة الدرزية، بحجة حمايتهم، بما في ذلك محافظتَا القنيطرة وريف دمشق، إضافة إلى السويداء.
- يقوض سيادة الدولة السورية على جنوب البلاد ويهدد وحدة أراضيها، بتعامله ضمنيًا معها على أنها منطقة خارجة جزئيًا عن سيطرة الدولة يجري إعادة تشكيل وضعها الأمني عبر التفاهم مع قوة خارجية محتلة، بدلًا من استعادة الجولان والتفاوض على الترتيبات الأمنية فيه.
- يمثّل المقترح الإسرائيلي كذلك إحراجًا واختبارًا للحكومة السورية المؤقتة. فقبولها بمثل هذه الترتيبات يعني تقديم تنازلات سيادية جسيمة في بداية عهدها؛ ما يهدد شرعيتها داخليًا
- جاء المقترح بعد وقت قصير من إعلان سوريا والأردن والولايات المتحدة اتفاقًا مبدئيًا على خريطة طريق لتهدئة الأوضاع في السويداء واستيعاب مطالب أهلها. يُقوض التدخل الإسرائيلي، على هذا النحو الأمني البديل، فرصة البناء على خريطة السويداء بوصفه خطوة أولى نحو تحقيق الاستقرار الداخلي؛ إذ يدلّ على انطباع مفاده أن الترتيبات الأمنية مع القوى الأجنبية تتقدم على الحلول السياسية المطروحة في الداخل لضمان وحدة الشعب السوري، وهو ما يضعف صدقية الحكومة السورية ويفتح مجالًا في المستقبل لتكرار نموذج المناطق المنزوعة السلاح، أو العازلة في أنحاء أخرى من البلاد؛ وهذا يعني تفكيكًا فعليًا لوحدة البلاد وتحويلها إلى مناطق نفوذ أمنية لقوى إقليمية ودولية، بدلًا من الحفاظ على مبدأ الدولة ذات السيادة الكاملة سواء كانت دولة مركزية أو اتحادية.
- أمّا ادعاء المركزية، والتفريط في وحدة الشعب والأرض، فكلاهما البديل الأسوأ. وسيشجّع نجاح “إسرائيل” في انتزاع منطقة أمنية عازلة في الجنوب السوري قوى إقليمية ودولية أخرى على المطالبة بترتيبات مماثلة، ووضع قيود سيادية على الدولة السورية عبر الضغط العسكري في حالِ فشلِ المفاوضات.
جدل شعبي وقانوني حول شرعية التوقيع:
من الناحية القانونية والسياسية:
الحكومة الحالية انتقالية ولا تمتلك شرعية دستورية لإبرام اتفاقيات استراتيجية تمس سيادة البلاد.
توقيع مثل هذا الاتفاق دون تصديق شعبي أو برلماني يُعد باطلًا من حيث القانون الدولي والدستوري.
بحسب نتائج المؤشر العربي:
74% من السوريين يرفضون الاعتراف بـ “إسرائيل”.
70% يرفضون أي اتفاق لا يتضمن استعادة الجولان.
88% يعتبرون “إسرائيل” تهديدًا مباشرًا لأمن سوريا والمنطقة.
المخاطر طويلة الأمد للمقترح الإسرائيلي
المقترح الأمني يهدد بـ:
1- خلق سوابق خطرة تؤدي إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ أمني لقوى إقليمية.
2- تشجيع أطراف خارجية على السعي لترتيبات مماثلة في الشمال أو الشرق السوري.
3- تفكيك وحدة سوريا عمليًا عبر اتفاقات أمر واقع.
4- يُضعف المقترح الموقف السوري التفاوضي مستقبلًا، عبر فرض توازن غير متكافئ لصالح “إسرائيل”، ويكرس وجودها في الجنوب على حساب أي حل سياسي داخلي.
خاتمة: السيادة لا تُفرّط بها تحت الضغط
بينما تسعى سوريا لرفع العقوبات وكسر العزلة، إلا أن أي اتفاق أمني يجب أن لا يتم على حساب السيادة، ولا يمكن لحكومة انتقالية – جاءت في ظرف استثنائي – أن تبت في مسائل تتعلق بالأمن الوطني والسيادة الترابية.
إن التوقيع على اتفاق من هذا النوع دون توافق وطني واسع، أو استفتاء شعبي، سيشكل سابقة دستورية خطِرة، ويفتح الباب أمام تدخلات أجنبية مستقبلية تضعف استقرار سوريا ووحدتها.
الطريق الأفضل يكمن في:
1- الشفافية مع الشعب السوري.
2- إشراك النخب السياسية والمجتمعية في اتخاذ القرار.
3- التمسك بالمرجعيات القانونية والوطنية في أي اتفاق يمسّ حاضر البلاد ومستقبلها.
إقرأ أيضاً: الاتفاق الأمني بين دمشق وتل أبيب: هل بدأت سوريا تدخل مرحلة تقاسم أمني معلن؟
إقرأ أيضاً: هل ذهب الشرع إلى نيويورك ليتنازل أم ليرفع العقوبات عن سوريا؟