التشدد الاجتماعي في سوريا: هل يمكن الحفاظ على التنوع في ظل السلطة المتشددة؟
داما بوست -إليانا الدروبي
في تصريح له، نفى رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع أن “يكون امتدادًا لأي حركات أو أحزاب سياسية أو جماعات جهادية”، ما بدا محاولة لطمأنة الشارع السوري بعد حالة من الارتباك. تلى تصريح الشرع، إعلان مستشاره أحمد زيدان، الذي نصح جماعة الإخوان المسلمين بحل نفسها، موضحًا أن الحركة لم تعد قادرة على مواكبة الظروف الإقليمية المتغيرة. على المستوى السياسي، قد يبدو أن التصريحات تهدف إلى خلق نوع من التوازن بين مختلف الفاعلين في المجتمع السوري، لكن الواقع الاجتماعي في البلاد يسير في اتجاه مغاير تمامًا.
التشدد الاجتماعي بعد سقوط نظام الأسد:
منذ ظهور الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في مناسبات عدة، برزت مواقف، مثل طلبه من فتاة دمشقية تغطية رأسها قبل التقاط صورة معه، وامتناعه عن مصافحة النساء خلال اللقاءات الرسمية، بما في ذلك الغربيات منهن. هذه المواقف جعلت البعض يتساءل عن مدى تأثير هذه التوجهات على الواقع الاجتماعي في سوريا، خاصة في ظل سياق من التحولات العميقة التي شهدتها البلاد بعد سقوط نظام الأسد وصعود الجماعات المتشددة.
رغم التصريحات الرسمية التي تؤكد التزام السلطة الحاكمة بعدم التدخل في اختيارات الناس، فإن الواقع على الأرض كان مغايرًا. ممارسات اجتماعية قسرية طفت على السطح، حيث فُرضت ضوابط صارمة على الملابس في بعض المؤسسات. وفي حالات أخرى، تعرض شبان إلى الاعتداءات بسبب ملابسهم الرياضية.
الضغوط الاجتماعية والتعديات على حرية الاختيار:
من أبرز المظاهر التي أثارت الاستياء الشعبي كانت الاعتداءات المسلحة على أماكن ترفيهية تقدم خدمات مثل الاختلاط وتقديم المشروبات الكحولية. هذه الاعتداءات، التي نفذها في بعض الأحيان عناصر يتبعون للأجهزة الأمنية، أسفرت عن إغلاق العديد من هذه الأماكن. ولعل ما كان يثير القلق أكثر هو غياب التصريح الرسمي عن هذه الاعتداءات، بل وتكرار تصريحات رسمية تُصرح بأنها حالات فردية.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتدت الضغوط لتشمل المظهر الشخصي والاختيارات الدينية للأفراد. في أحد الحالات، تعرضت قاضيات محجبات للتهديد بالإقالة بسبب “عدم التزامهن بالضوابط الشرعية” بحسب بعض المسؤولين في وزارة العدل. ومع ازدياد هذه الضغوط، تم فصل محاكم النساء عن محاكم الرجال في محاولة لتطبيق ضوابط دينية صارمة.
الحالة الطائفية والتحريض الديني:
ما يثير القلق أكثر هو التحريض الطائفي الذي ظهر على المنابر الدينية، والذي أصبح يشمل حتى بعض خطباء المساجد الذين كانوا يحضّون على نبذ التنوع الطائفي. بل وصل الأمر إلى أن هناك مصلين كانوا يرفضون الخطاب العقلاني الذي يدعو إلى الاعتدال، مما يعكس مدى الانقسام الطائفي الذي بدأ يتغلغل في المجتمع السوري.
وفي المقابل، اتخذت بعض الجماعات المتشددة خطوات ملموسة في فرض نمط معين من اللباس على النساء، خاصة في الأماكن العامة والجامعات. وكانت بعض النساء يتفاخرن بتشجيع الأخريات على ارتداء النقاب، مما دفع العديد من الشباب إلى التحدث عن التهديدات والضغوط التي يتعرضون لها بسبب علاقاتهم مع النساء غير المحجبات.
التحديات في قطاعات القضاء والتعليم:
من القطاعات الأكثر تأثرًا بهذا التوجه المتشدد كان قطاع القضاء. العديد من القاضيات والمحاميات تعرضن للضغط بسبب ملابسهن، وتم إقصاء العديد منهن من المناصب المهمة. أما في قطاع التعليم، فقد بدأ بعض المعلمين بتوجيه رسائل ذات طابع ديني متشدد، حتى أن بعض الأطفال بدأوا يتأثرون بهذه الأفكار.
هل يمكن السيطرة على هذه المظاهر؟
تساؤل كبير يطرح نفسه: هل السلطة الحاكمة قادرة على ضبط هذه الممارسات؟ في ظل سيطرة اللون الواحد على المؤسسات واتخاذ القرارات، يبدو أن الأمور قد تخرج عن السيطرة. وفي وقت يدعي فيه المسؤولون أنهم لا يتدخلون في اختيارات الناس الشخصية، فإن الواقع يشير إلى أن هناك عناصر مؤثرة في الظل، خاصة في القطاع الديني، التي تفرض أجندتها على الفضاء العام.
ختامًا:
إن المجتمع السوري، الذي طالما تمتع بتنوعه وتسامحه، يواجه اليوم تحديات كبيرة في الحفاظ على هذا التنوع في ظل سياسات متشددة تهيمن على الكثير من جوانب الحياة اليومية. فهل سيظل المجتمع السوري قادرًا على مقاومة هذه الضغوط؟ أم أن حالة من التشدد قد تغلف حياته اليومية، لتشكل تهديدًا حقيقيًّا للحرية والاختيار في هذا البلد الذي شهد العديد من التحولات المأساوية؟ الإجابة تبقى في مهب الريح، في ظل تضارب التصريحات الرسمية مع الواقع الاجتماعي المتأزم.
إقرأ أيضاً: رويترز: العنف الطائفي يهدد وحدة سوريا رغم المكاسب الدبلوماسية للشرع
إقرأ أيضاً: أنماط الانتهاكات الحقوقية في سوريا خلال 24 ساعة (19-20 أيلول 2025)