هل يقترب ملف الإخوان المسلمين في سوريا من نهايته؟

أثار مقال كتبه الإعلامي والكاتب السوري أحمد موفق زيدان، مستشار الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، على موقع قناة “الجزيرة” نقاشاً سياسياً واسعاً، بعد أن دعا فيه جماعة الإخوان المسلمين في سوريا إلى حل نفسها، معتبراً أن بقاءها بصيغتها التنظيمية الراهنة لم يعد يخدم سوريا ولا المرحلة المفصلية التي تمر بها البلاد. وجاءت هذه الدعوة بعد أيام قليلة من إعلان تعيينه مستشاراً للرئيس، ما منح مقاله دلالات إضافية حول توقيته ومغزاه.

رؤية زيدان: خطوة جريئة من أجل سوريا

زيدان، الذي سبق له الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، قبل أن يبتعد عنها، كتب في مقاله: “الجماعة لا تزال وفيّة لتنظيمها وحزبها، بينما الوطن بحاجة إلى تجاوز هذه البنى الضيقة نحو أفق أوسع يجمع كل السوريين.” وأضاف أن حل الجماعة سيكون “خطوة تخدم البلد وتتيح المجال أمام الشباب للمشاركة في بناء سوريا الجديدة، بدل أن يبقوا أسرى تاريخ تنظيمي أثقلته السجون والمنافي.”

اقرأ أيضاً:الإخوان المسلمون في سوريا يصدرون بياناً شاملاً: رؤية للمرحلة الجديدة بعد التحرير

أزمة ثقة ممتدة

يرى زيدان أن بقاء الجماعة بصيغتها التقليدية يعمّق أزمة الثقة مع الشارع السوري والدولة، ويجعلها أكثر عزلة عن المشهد السياسي، لافتاً إلى أن نصف قرن من الغياب الداخلي جعل من وصف “الإخونجي” وصمة اجتماعية. وكتب: “إن تمسّك الجماعة بالبقاء حرمها وحرم أبناءها من دورهم الطبيعي في مشروع وطني جامع.”

التوقيت والرسالة: أداة للتقارب أم مدخل للتمكين؟

الباحث السياسي عبد السلام طالب رأى أن مقال زيدان لا يمكن فصله عن موقعه الجديد كمستشار للرئيس، مشيراً إلى أن الإخوان تغلغلوا سابقاً في بعض الفصائل والكيانات المعارضة، واليوم يتواجدون في بعض مؤسسات الدولة الجديدة بشكل غير معلن.
ويقول طالب: “قد يبدو أن المقال دعوة لحل الجماعة، لكنه في العمق قد يفتح لها طريقاً للتمكين من داخل مؤسسات الحكم.” فيما اعتبر آخرون أن الرسالة خطوة جريئة لكسر الحلقة المغلقة حول تنظيم فشل في أغلب الدول العربية.

سابقة تاريخية: الإخوان وحل أنفسهم عام 1958

استشهد زيدان بسابقة تاريخية حين حل الإخوان المسلمون في سوريا أنفسهم عام 1958 استجابة لشرط الرئيس جمال عبد الناصر لتحقيق الوحدة السورية–المصرية، معتبراً ذلك دليلاً على أن مثل هذا القرار ممكن إذا اقتضته المصلحة الوطنية. لكن طالب شكك في نوايا الجماعة، قائلاً إنهم ربما يدفعون زيدان لطرح هذه الفكرة كي يجدوا منفذاً جديداً نحو الدولة، مؤكداً أن مجرد إعلان حلهم لن يغيّر شيئاً سوى الاسم.

التجارب العربية: إخفاقات متكررة

طرح زيدان جاء في سياق عربي شهد تراجع الإخوان في عدة دول:

  • مصر: صعودهم بعد ثورة 2011 انتهى بانقلاب 2013 وسقوطهم من السلطة.
  • السودان: دورهم في حكم البشير انتهى بانهيار الدولة وفقدان الثقة الشعبية.
  • تونس: حركة النهضة فقدت ثقلها السياسي بعد تدخلات الرئيس قيس سعيّد.
  • الأردن: حظر الجماعة بعد سنوات من النفوذ الواسع.
  • تركيا: تجربة حزب العدالة والتنمية استمرت بفعل براغماتية قيادته، لكنها تواجه تحديات اقتصادية وسياسية عميقة.

فشل تنظيمي وضعف بنيوي

زيدان يرى أن غياب الإخوان عن الداخل أضعفهم، فيما يوضح طالب أن السبب أعمق: “أصغر أعضائهم اليوم تجاوز الستين، وعددهم الحقيقي قليل جداً. إذا انكشف حجمهم سيتضح أنهم مجرد مجموعة صغيرة تعيش على الوهم وتخدم أجندات خارجية.” ويضيف أن وجودهم يخدم أيضاً مصالح بعض القوى الدولية، باعتبارهم أثبتوا فشلهم السياسي في كل مكان.

تاريخ طويل وصدام دموي

تأسست جماعة الإخوان المسلمين في سوريا عام 1945 كفرع من التنظيم الأم في مصر، وسرعان ما دخلت الحياة السياسية والبرلمانية. إلا أن علاقتها بالنظام السوري انقلبت إلى مواجهة مباشرة بعد وصول حزب البعث إلى الحكم عام 1963. ومع صعود حافظ الأسد في السبعينيات، تصاعد الصدام ليبلغ ذروته في مجزرة حماة عام 1982 التي أسفرت عن عشرات الآلاف من الضحايا، وأجبرت من تبقى من الإخوان على المنفى. ومنذ ذلك الحين ظل التنظيم محظوراً في سوريا، واستُخدم اسمه كذريعة لتبرير القبضة الأمنية.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011 حاول الإخوان العودة من خلال الائتلاف الوطني المعارض ومؤسسات المعارضة في الخارج، لكن نفوذهم داخل سوريا بقي ضعيفاً بسبب غيابهم الطويل وتنامي العداء الشعبي تجاههم.

مستقبل الجماعة: النهاية أم إعادة التموضع؟

تأتي دعوة زيدان بعد تقارير عن احتمال تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة، ما يهدد وجودهم في المنطقة. لكن طالب يستبعد ذلك بشكل شامل، مشيراً إلى أن واشنطن قد تكتفي باستهداف بعض الأذرع مثل حماس، بينما تعيش الجماعة مرحلة “أفول طبيعي” بسبب فقدانها الجماهير وغيابها عن الواقع.

ملف معقد واحتمالات مفتوحة

بين دعوة زيدان لحل الجماعة واستشهاده بتجارب تاريخية، وبين تشكيك طالب في نوايا الطرح، يظل ملف الإخوان المسلمين في سوريا معقداً ومفتوحاً على احتمالات متناقضة: هل ستكون هذه الدعوة مدخلاً لبناء ثقة جديدة مع الدولة، أم مجرد تكتيك لإعادة التموضع داخل الحكم؟ وهل حان الوقت فعلاً لطي صفحة الجماعة في سوريا، أم أنها ستظهر مجدداً بأسماء وواجهات جديدة كما فعلت في تجارب عربية أخرى؟

 

اقرأ أيضاً:بيان الإخوان المسلمين في سوريا بعد سقوط النظام: تحوّل في الخطاب أم مناورة سياسية؟ (الجزء الأول)

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.