يبرز مفهوم اللامركزية في سورية، في ظل التغيرات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم في مختلف المجالات، والحاجة إلى إيجاد أساليب وطرق جديدة لتنظيم العمل والإدارة، بما يحقق التنمية والاستقرار والرفاهية للشعوب.
ويعتبر هذا المفهوم من أهم المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية، والذي يعني توزيع السلطة والصلاحية بين المستويات الإدارية المختلفة في المؤسسة أو الدولة، بحيث يتمتع كل مستوى بدرجة من الاستقلالية والمشاركة في اتخاذ القرارات وتنفيذها.
أنواع اللامركزية
تختلف أنواع اللامركزية حسب مستوى التفويض والنقل للسلطة من المستوى الأعلى إلى المستوى الأدنى، وحسب نطاق التخصص والوظائف التي تُسند إلى كل مستوى، ومن بين هذه الأنواع:
اللامركزية الجغرافية: وتعني توزيع الصلاحيات بين المحافظات والأقاليم والبلديات في الدولة، بحيث تتمتع كل منها بشخصية معنوية مناطة بمجلس محلي منتخب من قبل المجتمع في المنطقة، وله صلاحيات في اتخاذ القرارات ووضع الموازنة الخاصة بالمشاريع والمرافق العامة التي تتبع له، وهذا ما يُطلق عليه “الإدارة المحلية” وهو يُعزز مبدأ التشاركية والديمقراطية في إدارة الشؤون المحلية.
اللامركزية الوظيفية: وتعني توزيع السلطة أو الصلاحية على المستويات الإدارية داخل المؤسسة أو الشركة، بحسب التخصص أو الاختصاص، فعلى سبيل المثال، يُفوض المدير لرئيس قسم أو مدير فرع صلاحية اتخاذ قرارات متعلقة بأداء عمله أو إدارة فِرِقِه، الأمر الذي سهِّل على المدير التركيز على المهام الاستراتيجية، ويرفع من كفاءة وفعالية عمل المستويات الأدنى.
اللامركزية السياسية: وتعني توزيع الوظائف السياسية، سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية، بين الحكومة المركزية في الدولة والسلطات المحلية أو الإقليمية التابعة لها، بحيث تتمتع هذه السلطات بدرجة من الحكم الذاتي والتمثيل السياسي، وهذا ما يُطلق عليه “الاتحاد الفدرالي” وهو يُحقق مبدأ التعددية والتنوع في النظام السياسي.
تجربة اللامركزية في سورية
الباحثة في الشأن السياسي “ميس الكريدي” أوضحت في حديثها لـ “داما بوست”.. أن تجربة اللامركزية تتطلب شرح المفهوم العام لها، نتيجةً لوجود اختلاط بالمفاهيم بين اللامركزية كحالة إدارية وبين الوضع السياسي، مبينةً أن البلد الذي يتم فيه تطبيق هذه التجربة يجب أن يفهم المتعاطين بهذه القضية أنه ليس لها علاقة بمركزية القرار السياسي والقرارات السياسية لهذا البلد.
وأشارت “الكريدي” إلى أنه في حال تطبيق اللامركزية في سورية فإنه لا يحق لممارسيها أن ينشئوا علاقات دولية مستقلة، أو أن يقدموا على قرارات سياسية مستقلة عن الدولة، مشيرةً إلى أن اللامركزية الإدارية تتعلق بتسهيل العمل وإدارة المناطق، وتتعلق بتحميل المواطنين مسؤوليتهم تجاهها ضمن أطر منظمة ومشاركتهم في إدارة مناطقهم، وبعوامل الحماية المشتركة للدولة، في حين أنها لا تستدعي وجود جيوش مستقلة، على سبيل المثال.
وأوضحت “الكريدي” أن هذه المسألة يتم تفصيلها على أساس كل منطقة، تبدأ بلجان حي وتتطوّر تباعاً إلى مجالس الإدارة المحلية، لافتةً إلى أن الأداء هنا يتعلق بإدارة المناطق وليس بالاستيلاء على المناطق أو فرض قرارات وإرادات سياسية، وأن أي نقاش على المستوى السياسية له ترتيباته الخاصة.
وذكرت “الكريدي” أنه لا يمكن الحديث عن فشل أو نجاح هذه التجربة إلا في حال تطويرها وفق علاقات منضبطة، مشيرةً إلى وجود بعض العوامل التي تعطّل تطبيقها في سورية كون البلاد تمر بظرف استثنائي، بدايةً من دمار البنى التحتية، والتدخلات الخارجية، فضلاً عن أن آلية اختيار ممثلي الشعب في إداراتهم المحلية تتطلب ضبط وتعديل وتحييد عن التدخلات غير الحميدة، على حد تعبيرها، لافتةً إلى أن التعديل يبدأ من هذه النقطة ومن ثم الصبر على ذلك لوقت طويل.
وشددت “الكريدي” على أن تطبيق هذه التجربة يتطلب الكثير من ورشات العمل الحوارية، فضلاً عن الشجاعة في تطبيقها، لافتةً إلى أن الشرط الأساسي في نجاح أي تجربة مثل هذا النوع يتطلب هو النزاهة ومراعات الظروف الحالية، معتبرةً أن اللامركزية الإدارية قضية مطلوبة للتعاون في إدارة البلاد، مبينةً أن كل من يطالب بذلك عليه توضيح وجهة نظره في هذه المسألة، وتوضيح تفاصيل العلاقة مع السلطة المركزية.
توضيح المفهوم
بدوره، أفاد الخبير التنموي “أكرم عفيف” بأن اللامركزية هي أن تقوم إدارات على مستوى مناطق مختلفة بإدارة شؤونها بنفسها، من حيث التمويل وتحديد المشكلات ودراستها، وتحديد المشاريع الخاصة بها، بدءاً من القرى والبلدات وصولاً إلى المحافظات، مبيناً أن ما تعيشه سورية في هذه الفترة يندرج بين المركزية واللامركزية معاً.
ورأى “عفيف” أن مفهوم اللامركزية هو مفهوم ضبابي حتى بالنسبة إلى صانعي القرار، كون العديد منهم لا يعرفون شيء عنه وعن تطبيقه وكيفية الوصول إلى تطبيقه، معتبراً أنه في حال التوصل إليه وتطبيقه وتطويره فسيكون بمثابة إنجاز كبير، كونه سيحقق التطور ضمن خصوصية المجتمعات في سورية، كل مجتمع على حدا.
وأعرب “عفيف” عن أمله في أن يكون للرؤية التنموية التي طرحها، والتي تتعلق بلامركزية القرى وتنميتها، دور في تطبيق هذا المفهوم بالشكل الأمثل، من خلال إدارة المجتمع المحلي ودعم الأطراف الأخرى.
تعريف اللامركزية في سورية
وفقاً للمرسوم التشريعي رقم /107/ للعام 2011، تعرّف الدولة السورية مفهوم “اللامركزية” بأنه نقل السلطات والصلاحيات والموارد من الحكومة المركزية إلى الوحدات الإدارية المحلية، وتمكينها من ممارسة هذه السلطات والصلاحيات بشكل مستقل وفقاً للقانون.
وتتكون سورية من وحدات إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري وهي (المحافظة، المدينة، البلدة، البلدية) حيث يهدف هذا المرسوم إلى تعزيز مشاركة المجتمع المحلي في صنع القرارات وتنفيذها، وتحسين كفاءة وجودة الخدمات العامة، وتحقيق التنمية المستدامة.