رغم الحشد العشائري الواسع الذي شهدته محافظة السويداء السورية خلال الأيام الماضية، والذي وصل حد تهديد “مجلس العشائر الأردنية” في بيان متداول على وسائل التواصل الاجتماعي بأن أي تدخل عسكري مباشر من كيان الاحتلال باتجاه سوريا، سيقابل بتحرك فوري من قبل أبناء العشائر الأردنية، لكن دون أن تحدد إلى أين ستتحرك!.
يبرز هنا تساؤل أخلاقي وسياسي: أين كانت هذه العشائر، أو نظيراتها في المنطقة، حين كانت غزة ولا تزال تُقصف بلا هوادة منذ أشهر؟
إقرأ أيضاً: بعد أيام من العنف.. هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار الجديد في السويداء؟
بحسب مصادر إعلامية بلغ تعداد مقاتلي العشائر الذين شاركوا في الهجوم على السويداء 50 ألف مقاتل، خلال اليوم الأول من الحشد العشائري في السابع عشر من الشهر الحالي.
وعلى الرغم من وجود الاحتلال الإسرائيلي الذي يحتل أجزاء واسعة من جبل الشيخ وريف القنيطرة ويقوم بشكل شبه يومي بتوغلات في جنوب سوريا، ورغم إدانة العشائر باستعانة الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز ممثلة بالشيخ حكمت الهجري بـ “إسرائيل” إلا أن “الفزعة العشائرية لم تلتفت إلى الأرض السورية المحتلة من قبل “إسرائيل”، واكتفت عبر فيديوهات لبعض عناصرها، هددوا وتوعدوا بمحارية الاحتلال الإسرائيلي.
العشائر حققت تقدماً خلال هجومها على السويداء والتي قالت إنه جاء عقب انتهاكات الفصائل الدرزية بحق أبناء عشائر البدو، متناسين انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق عشائر ونساء غزة وأطفالها.
إقرأ أيضاً: دستور من رماد: كيف مهد الغياب السياسي لمجازر السويداء والساحل
لماذا تهتز الأرض في الجنوب السوري على خلفية نزاع داخلي مع طائفة درزية محلية، بينما ظلّت غزة، بعشائرها وعائلاتها ونسائها وأطفالها، تصرخ وحدها تحت وطأة حرب إبادة، دون أن نسمع صدى “الكرامة” أو “الفزعة” التي عادة ما تُرفع شعارًا في مواجهات أقل كلفة ودموية؟
هذا السؤال يزداد تعقيدًا مع البيان اللافت الذي أصدرته بعض عشائر الأردن، مهدّدة فيه بأنها ستتحرك إذا ما تدخلت “تل أبيب” لصالح الفصائل الدرزية في السويداء. لم يصدر الموقف نفسه نصرة لغزة، رغم اتضاح عدوان الاحتلال هناك باعتباره حرب إبادة لا لبس فيها.
هذا الموقف يُعبّر عن استعداد للقتال على خلفية نزاع داخلي سوري–سوري، لكنه يثير في المقابل تساؤلات: لماذا لا تُهدّد العشائر الأردنية، أو غيرها، بنفس الحماس حين تكون الضحية هي غزة؟ هل فقدت فلسطين مركزيتها في الوعي الجمعي؟ أم أن الاصطفافات الطائفية والمناطقية باتت أقوى من الروابط القومية والدينية؟
قد يُقال إن مشهد السويداء يخص “الأنساب” و”الدم”، لكن هل دماء الغزيين ليست من نفس الطينة؟ ألم يكن الأولى أن نرى “فزعة” عربية حين كان الشيوخ يُقتلون في المساجد، والأطفال يُدفنون تحت الركام، بلا كهرباء ولا دواء ولا مأوى؟
مركز وصول يندد بالتصعيد في السويداء ويدعو لتحقيق دولي ومحاسبة الجناة
وفي السياق ذاته، قال الباحث السياسي الدكتور فايز قنطار إن “الدولة السورية هي التي سلحت العشائر وشجعتهم على الهجوم على السويداء، وفتحت لهم الطرق والمعابر من كل الاتجاهات. لقد جاءوا من كل أنحاء سوريا بتشجيع مباشر من الدولة. كل المناطق المحيطة بالسويداء تخضع لسيطرة الدولة، فلماذا لم تُمنع هذه الهجمة البدوية الغرائزية؟ إن هذا التحشيد تم بإرادة الدولة، التي فتحت كل الطرق أمام هذه العشائر”.
تفيد مصادر متقاطعة بأن جهات رسمية سورية لجأت إلى استخدام بعض مجموعات العشائر وتحريضها، تحت غطاء “الفزعة”، لتنفيذ هجمات ضد فصائل درزية محلية، بعد حملات تحريض ممنهجة، في محاولة لتأليب مكونات المجتمع على بعضها البعض واستغلال التوترات لأهداف سياسية تتعلق بفرض السيطرة وإضعاف الحراك المحلي في المحافظة.
بعيدًا عن العواطف، يبدو أن الانتماءات العشائرية بدأت تنزلق من كونها صمّام أمان اجتماعي إلى أداة اصطفاف سياسي وأمني في نزاعات محلية، تُستنهض عند الحاجة، وتُغلق عند وجع فلسطين.
إقرأ أيضاً: هوية سوريا البصرية الجديدة: هل يكفي الشعار لتأسيس جمهورية؟
دعوات للفزعة من أجل غزة بدأت تظهر على استحياء. فقد دعت “الهيئة العالمية لأنصار النبي (ص)” العشائر والقبائل العربية في كل مكان، لا سيما في دول الجوار، إلى الفزعة لغزة والوقوف معها كما فعلت بعض العشائر في سوريا.
كما تساءل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان، الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، خلال لقائه وفدًا من العشائر العربية في بيروت: “لماذا يُدق النفير العام من أجل السويداء؟ ولماذا لا يكون لأجل غزة؟”
في هذا المشهد المتناقض، تواصل غزة صمودها، وتُسائل الضمير العربي: من بقي معنا حقًا؟
إقرأ أيضاً: هل يمهّد اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء لبداية حكم ذاتي؟
إقرأ أيضاً: السويداء تحت الرماد: شعارات طائفية وجثث في الشوارع وسط تحذيرات من كارثة صحية