لم يضع حزب الله الكيان الصهيوني في خانة الحصار العسكري فحسب، بل وضعه أيضاً في خانة الحصار الاقتصادي، وبدأت قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي تترقب تطورات الأوضاع في الشمال، حيث ماكينة حزب الله العسكرية تطحن قدرات الردع الصهيونية وتفرض تفوقها في الميدان العسكري الذي انسحب خسراناً اقتصادياً مبيناً على “إسرائيل”.
وما تزال غالبية القطاعات الاقتصادية في “إسرائيل” تعاني من تبعات الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ تشرين الأول الماضي، وأبرزها قطاعا السياحة والإنشاءات، وبدرجة أقل قطاعا الخدمات والزراعة.
المخاوف الكبرى لدى الاحتلال هو بنك الأهداف المعلن من قبل حزب الله اللبناني ضد مواقع إستراتيجية، وهو ما ظهر في فيديو أعده الحزب المقاوم يكشف تفاصيل دقيقة لأبرز المواقع الحيوية التي قد يستهدفها في أي حرب مقبلة مع الكيان الصهيوني.
لا شك أن أي حماقة قد يرتكبها الكيان في الشمال عبر بعث حرب شاملة ستكلفه ثمناً باهظاً في القطاعات كافة خصوصاً الاقتصادية والعسكرية، وستكون الكلفة أكبر بكثير من كل الحروب التي خاضتها “إسرائيل” ضد المقاومة في لبنان وفلسطين.
وبالنسبة لقطاع الكهرباء فإن انقطاع الكهرباء في “إسرائيل” لمدة 72 ساعة سيجعل العيش مستحيلاً، وحزب الله يمكنه أن يضرب الشبكة الإسرائيلية بسهولة وبوسعه إغراق الكيان بالظلام، وهذا له اعتبار كبير في ميزان العدو الذي يشغله الشق الاقتصادي وقطاع الطاقة في أي حرب مقبلة مع حزب الله، ولذلك تراه تائهاً متخبطاً في مآزقه المختلفة جراء حربه على قطاع غزة، ينهكه مرضه المزمن في صناعة الطاقة، وتبعاتها على الحالة الاقتصادية.
“إسرائيل” بالفعل عاجزة اليوم عن تحقيق أي تقدم اقتصادي أو صناعي أو زراعي في مستوطنات الشمال، فصواريخ حزب الله المقاوم في لبنان وضعت العصي في عجلة الاحتلال الاقتصادية والصناعية، وأجبرت عدد من الشركات المتخصصة في مجالي الزراعة والغذاء، وعمالها، على الهجرة بسبب عمليات المقاومة في لبنان في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، على نحو يضرب الاستراتيجية الإسرائيلية.
حزب الله وبدقيق العبارة أجهض “الحلم الإسرائيلي” بقيام صناعة مراكز خبرات وتخصص مناطقية، عبر جعل بئر السبع مركزاً لشبكات الحوسبة والاتصال والمعلومات، ومن خلال أن يكون الجليل، وخصوصاً “كريات شمونة”، مركزاً للصناعات الغذائية والهندسة الزراعية التقنية، ولم يعد بمقدور الاحتلال التحرك بحرية والقيام بأعمال اقتصادية وزراعية تحت نيران المقاومة الحالية والمستقبلية.
أوضاع الشركات الصهيونية والحالة الاقتصادية والزراعية في مستوطنات الشمال تغيّر عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول، وفتح جبهة الإسناد اللبنانية عبر حزب الله، بحيث لم يبقَ حتى شركة واحدة للتكنولوجيا الغذائية في المستوطنات، شمالي فلسطين المحتلة.
ونقلت الشركات وكل الهيئات الداعمة والحاضنات، بالإضافة إلى العمال الذين عملوا في المستوطنات ومحيطها، إلى جنوبي فلسطين المحتلة، مع اشتداد عمليات المقاومة الباسلة في لبنان، وضربها لمستوطنات الاحتلال، وتهجير أكثر من 80 ألف مستوطن.
وستبقى “إسرائيل” عاجزة على المدى الطويل في تحقيق ما تسميه “رؤية ازدهار الشمال” حتى بعد توقف الحرب على غزة، فالرعب يسكن قلب الاحتلال ومستوطنيه، وقد لقنتهم المقاومة اللبنانية درساً قاسياً لن يمحى من ذاكرة الاحتلال البتة.