تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق: فشل أمني أم مقدّمة لصدع التعايش؟

في هجوم وُصف بـ”الأكثر دموية منذ سنوات”، هزّ تفجير انتحاري كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة شرق العاصمة السورية دمشق، يوم الأحد، ما أسفر عن مقتل 22 مدنياً وإصابة 63 آخرين، في واقعة أثارت موجة غضب وقلق داخل الأوساط الدينية والمجتمعية، وطرحت تساؤلات جدية حول هشاشة المنظومة الأمنية في العاصمة.

الانتحاري الذي تبنّى تنظيم “داعش” لاحقاً مسؤوليته، اقتحم الكنيسة أثناء تواجد المصلين، فأطلق النار ثم فجّر نفسه بحزام ناسف، في لحظة تحوّلت فيها الصلاة إلى مأساة جماعية، وفق رواية وزارة الداخلية السورية.

ارتباك رسمي وسرديات متضاربة

بيانات متضاربة، تعليقات مرتجلة، وتحليلات غير موحدة من الجهات الرسمية، رافقت الحادثة منذ لحظاتها الأولى. فعلى الرغم من تأكيد وزارة الصحة وقوع العشرات من الضحايا، سارعت وزارة الداخلية إلى تحميل “داعش” المسؤولية دون تقديم أدلة أو تفاصيل تحقيق ميدانية، الأمر الذي أثار انتقادات حقوقيين وصحفيين وصفوا تعامل السلطات بأنه “مرتبك وغير مسؤول”.

الصحفي السوري محمد السلوم، في منشور على صفحته الرسمية، أشار إلى “فوضى مؤسساتية”، وانتقد استعجال الجهات الأمنية في تبنّي رواية واحدة، إلى جانب التضارب بين بيانات وزارات مختلفة. كما تساءل عن جدوى إصدار بيانات إدانة من وزارات مثل الخارجية والسياحة في حين لم يصدر أي توضيح شامل من وزارة الداخلية أو الأمن الوطني.

كنائس محذّرة ووزارة مطمئِنة

في تصريح لافت، قال الأب ملاطيوس شطاحي، راعي كنيسة مار إلياس، إن إدارة الكنيسة حذرت مراراً من هشاشة الوضع الأمني في الدويلعة، لكن ردود الجهات الأمنية كانت دائمًا مقتصرة على وصف التهديد بـ”تصرفات فردية”. وأضاف بمرارة: “ما حصل اليوم أثبت أن المسألة أبعد من كونها فردية. إنها نتيجة تراكمات من الإهمال الرسمي”.

أبعاد الحادثة: أمن، طائفية، وصدع في الثقة

بعيداً عن الأرقام والبيانات، فإن توقيت التفجير ومكانه وهويته الدينية يطرح أسئلة أعمق حول تماسك النسيج السوري في ظل تصاعد الخطاب الديني المتشدد، خاصة في العاصمة التي طالما وُصفت بـ”نموذج التعايش”.

المحامي والناشط الحقوقي ميشال شماس ذهب أبعد من ذلك، معتبراً أن الهجوم يحمل رسائل سياسية وطائفية واضحة، تهدف إلى ضرب موقف المسيحيين المتوازن والمسالم، وخلق صورة مفادها أن الحكومة الجديدة، عاجزة عن ضمان الأمن حتى في الأحياء “الحساسة” أمنياً.

شماس دعا إلى مساءلة جادة عن الثغرات الأمنية، وطالب السلطات بوضع حدّ لخطاب الكراهية المتصاعد، وضبط ما وصفه بـ”الحملات الدعوية الطائفية” التي بدأت تنتشر دون رقيب، مشيراً إلى حادثة سيارات الدعوة التي جابت أحياء مسيحية مؤخراً.

سيارات الدعوة.. نذير مبكّر؟

في آذار الماضي، شهد حي الدويلعة توتراً بعد دخول سيارات دعوية إسلامية تستخدم مكبرات الصوت للدعوة إلى الإسلام في أحياء ذات غالبية مسيحية، ما أثار احتجاجات شعبية انتهت بطرد تلك السيارات. إلا أن السلطات لم تتخذ إجراءات حازمة تمنع تكرار هذه الاستفزازات، ما زاد من التوترات المكبوتة، حسب تعبير أحد أبناء الحي.

ويعيد ذلك إلى الواجهة سؤالاً محرجاً: هل تتعمد بعض القوى داخل السلطة غضّ الطرف عن هذا النوع من السلوكيات، أم أن هناك حالة من التفكك الإداري والسياسي في إدارة الملف الطائفي؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.