الليرة السورية في 2025: استقرار مضلل أم هندسة نقدية مقصودة؟

تتزايد التساؤلات حول ما إذا كان الاستقرار الذي قد يظهر في قيمة الليرة السورية في 2025 هو نتيجة لسياسات اقتصادية مدروسة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني، أم أنه استقرار مؤقت يعتمد على عوامل خارجية قد تكون مضللة على المدى الطويل.

وبحسب موقع سوريا الغد فإنه، وسط التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع الاقتصادي، تبرز مسألة الليرة السورية عام 2025 بوصفها مرآة لتوازن نقدي هش تغذيه عوامل سياسية واقتصادية متشابكة، وظهرت هذه المسألة الاقتصادية بقوة منذ لحظة انهيار النظام السياسي لسلطة البعث، إذ سارعت هيئة تحرير الشام، منذ الأيام الأولى لدخولها دمشق، إلى إطلاق تصريحات تتعلق برفع الأجور والمعاشات وتحسين الخدمات وتعزيز موقع الليرة السورية. وبعد مرور ستة أشهر، ما تزال المسألة الاقتصادية تشكل الركيزة الأساسية التي تستند إليها الحكومة الانتقالية في مساعيها لتثبيت شرعيتها وكسب ثقة الشارع.

إقرأ أيضاً: الاقتصاد السوري بين فكي التضخم وتقييد السيولة: السياسة النقدية تبحث عن مخرج

عمليا فإن سعر صرف الليرة بالنسبة للدولار هو أحد المؤشرات الأساسية في السياسات النقدية وحتى الاقتصادية للدولة، ويشكل مسار لا يوحي بأن مسالة التعافي الاقتصادي يمكن أن تسير بشكل سلس رغم رفع العقوبات والانفتاح الغربي على دمشق، ومنذ بداية عام 2025، بدا أن الليرة السورية دخلت مرحلة “استقرار” نسبي بعد سنوات من الانهيارات المتتالية، حيث تراجع سعر الدولار في السوق الموازية خلال شهري شباط وآذار إلى ما دون 10,000 ليرة، فيما رفع مصرف سوريا المركزي السعر الرسمي إلى أكثر من 11,000 ليرة للدولار الواحد.

للوهلة الأولى يبدو هذا الاستقرار مؤشرً على تحسن اقتصادي، أو على الأقل على انحسار العوامل التي كانت تهوي بقيمة الليرة، لكن نظرة أدق تكشف عن حالة استثنائية ومعكوسة، فلأول مرة منذ اندلاع النزاع، أصبح السعر الرسمي أعلى من سعر السوق الموازية، ما يطرح تساؤلات حقيقية عن ماهية هذا “الاستقرار”، ومآلات السياسة النقدية السورية.

أولاً: تقلبات الليرة السورية 2025 بين السوق الرسمي والموازي

في منتصف عام 2024، تخطى سعر صرف الدولار عتبة الـ15,000 ليرة في السوق الموازية، مدفوعا بموجة تضخمية خانقة وشحّ في المعروض من الدولار، لكن منذ كانون الثاني 2025، انخفض السعر تدريجيا ليستقر ما بين 9,500 إلى 10,000 ليرة في بعض المدن، فيما أعلن المصرف المركزي السوري عن رفع تدريجي للسعر الرسمي حتى بلغ 11,000 ليرة في أيار وحزيران.

والمفارقة أنه للمرة الأولى منذ سنوات، يصبح السعر الرسمي أعلى من السوق، وهو ما لم يحدث حتى في ذروة أزمة 2021.

ثانيًا: ما وراء الانعكاس – سياسة “تجفيف السيولة“

بحسب مصادر اقتصادية مطلعة، قامت الحكومة السورية بـ:

تشديد القيود على تداول الدولار في السوق السوداء، مع تنفيذ حملات مداهمة ضد الصرافين غير المرخصين.
فرض التسعير الإلزامي بالليرة واشتراط تحويل الحوالات الخارجية عبر شركات مرخصة بسعر قريب من الرسمي، وهو عمليا يقابل الصرف بالسوق السوداء.
تقييد سحب الأموال النقدية من البنوك، ما أدى إلى تجفيف السوق من السيولة بالليرة السورية نفسها.
طرح سعر رسمي مرتفع عمداً، في محاولة لردم الفجوة بين السعرين وتحفيز تحويل العملات عبر القنوات الرسمية.
هذه السياسات أدّت إلى انخفاض الطلب على الدولار في السوق السوداء، ليس نتيجة تحسن اقتصادي فعلي، بل بسبب نقص الليرة نفسها في جيوب السوريين، أي أن ضعف الطلب على الدولار هو انعكاس للركود العام لا لقوة الليرة.

ثالثًا: لماذا ارتفع السعر الرسمي إذاً؟

رفع السعر الرسمي من نحو 9,000 ليرة في 2023 إلى أكثر من 11,000 ليرة في 2025 لم يكن مجرد تحديث تقني، بل جاء نتيجة:

تأخر الحكومة في تحرير السعر الرسمي سنوات طويلة ما شكّل فجوة غير منطقية مع السوق، وبالتالي سعت لتوحيد السعرين تدريجياً.
ضغوط مؤسسات حكومية تحتاج لقطع أجنبي (كالنفط والقمح)، ورفع السعر الرسمي يعني أنها تشتري الدولار بأسعار واقعية بدلاً من دعم وهمي.
محاولة جذب الحوالات الخارجية عبر النظام الرسمي، ما تطلّب سعراً مجزياً لتحفيز الناس على التحويل عبر البنوك الرسمية لا السوق الموازية.
بالتالي، السعر الرسمي المرتفع ليس “مؤشراً اقتصادياً” بل أداة سياسية–نقدية.

رابعًا: النتائج والتبعات

استقرار سطحي في السوق
الأسعار لم تنخفض فعلياً؛ بل توقف ارتفاعها فقط، بسبب الركود وانخفاض الطلب، حتى مع انخفاض سعر الدولار، لم تنخفض كلفة المعيشة، بل استمرت عند مستويات مرتفعة جداً مقارنة بالقدرة الشرائية.

خنق النشاط التجاري
التجار يعانون من غموض السعر الحقيقي للعملات، بين الرسمي والسوق، وصعوبة التمويل، فرفع السعر الرسمي يزيد كلفة الاستيراد من الخارج، ويعني أن الحكومة تشتري الدولار غالياً.

تعميق الاقتصاد الموازي
رغم تقليص الفجوة بين السعرين، فإن الاقتصاد غير الرسمي مستمر، ويعمل بمرونة أكبر من النظام الرسمي، ما يجعل محاولات السيطرة عليه محدودة النجاح.

خامسًا: إلى أين تتجه الليرة؟

هناك ثلاثة سيناريوهات:

استمرار الوضع الحالي حيث السعر الرسمي مرتفع، والسوق سوداء مجففة، واستقرار هش مدعوم بالقوة وليس بالعوامل الاقتصادية.
عودة السوق السوداء للتفوق ففي حال رفعت الحكومة القيود أو عادت أزمات المحروقات، سيرتفع سعر السوق مجدداً ليتجاوز الرسمي.
انفراج خارجي أو استثماري مثل النتائج المترتبة عنرفع العقوبات أو دعم خليجي كبير، وهو ما سيعزز قيمة الليرة فعليا.
لكن في غياب إنتاج حقيقي وتدفقات للعملة الصعبة مستقرة، يبقى التحسن وهميا ومؤقتا.

الليرة السورية في منتصف 2025 لا تعيش استقرارا حقيقيا، بل تخضع لهندسة نقدية تقشفية شديدة نجحت في كبح الانهيار، ولكن بثمن اجتماعي واقتصادي مرتفع، ويُنظر للسعر الرسمي المرتفع باعتباره تعبيرا عن حاجة السلطة لا عن قوة السوق، وبينما يسود الهدوء النسبي في سوق الصرف، ويبقى السؤال الجوهري بلا إجابة: هل تعافت الليرة؟ أم أن صمت السوق هو مجرد ركود اقتصادي مقنّع؟

 

إقرأ أيضاً: الليرة السورية والليرة التركية تنافس على المصالح يضرب مصالح الناس

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.